أما إذا كانت الغاية من الاستشهاد وضع قاعدة، أو استنباط حكم أن تقنين نمط فإن اللغوي حينئذ يضع القراءة إلى جانب غيرها من النصوص، ويوازن بينها، ويبني القاعدة على الكثير الشائع، سواء كان مقروءًا به، أو غير مقروء، وسواء كانت القراءة متواترة أو غير متواترة، والقراءة حينئذ لا تتميز بوضع خاص، ولا تنفرد بنظرة معينة بالنسبة لسائر المصادر اللغوية. وكيف تتميز والنص القرآني نفسه لم يعط أي ميزة في مجال التقعيد على غيره من النصوص؟

ألم يتوقف اللغويون عند بعض الآيات القرآنية فحفظوها ولم يقيسوا عليها لأنها لم تأت طبقًا للنموذج الشائع في لغة العرب؟

أينا يسمح بأن يقيس المتعلم على الآية القرآنية "إنّ" بنون مشددة "هذان لساحران" فيرفع الطرفين بعد "إنّ"؟ "الآية 63 طه" وهي قراءة نافع وابن عامر وحمزة وعاصم والكسائي من القراء السبعة.

ومثل هذا يقال عن قراءة معظم السبعة {بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} "النساء 162".

فالقراءة إذن في مجال التقنين والتقعيد لا تعزل عن بقية المصادر اللغوية وهي القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والشعر الجاهلي والإسلامي ومأثور النثر من حكم وأمثال وخطب ... وهي توضع مع غيرها في سلة واحدة ويصنف الجميع ويحلل ثم توضع القاعدة على ما تثبت كثرته ويتضح شيوعه واطراده، لأنه هو الذي يمثل اللغة المشتركة أو القاعدة التي يجب محاكاتها والالتزام بها.

ومعنى هذا أن معيار اللغوي ومنهجه يختلف عن معيار القارئ ومنهجه، وأن أي محاولة لفرض منهج القراءة على اللغويين سيعني فرض منهج علم على علم آخر، كما سيظهر اللغوي بمظهر المضطرب أو المتناقض في أقواله وأفعاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015