ثم دخل على عائشة فطيبته بعد أن أحل من إحرامه، وتوجه إلى مكة وطاف طواف الإفاضة، والصواب أنه طاف طواف الإفاضة وهو راكب على بعير، ولم يسع؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان قارناً، فرجع إلى مكة فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء، واليوم الحادي عشر يسمى في عرف الفقهاء: يوم القر؛ لأنه ليس فيه تعجل ولا ذهاب ولا إياب، وليس فيه إلا الرمل، فمكث صلى الله عليه وسلم فيه، ثم في اليوم الثاني عشر أذن لمن أراد أن يتعجل، أما هو صلى الله عليه وسلم فبقي إلى اليوم الثالث عشر، وقال في اليوم الثاني عشر: (إنا نازلون غداً في خيف بني كنانة)، والخيف في اللغة: ما قرب من الأرض، فلم يصل إلى الوادي، ولذلك يسمى المسجد الرسمي الذي في منى يسمى مسجد الخيف؛ لأنه ليس في الوادي ولا في أعلى الجبل، وإنما هو في منحدر الجبل.
فقال عليه الصلاة والسلام: (إنا نازلون غداً في خيف بني كنانة)، وخيف بني كنانة هو المكان الذي اجتمعت فيه قريش على أن تحصر بني هاشم في الشعب، فلما نزل صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث عشر رمى الجمرات الثلاث ولم يصل الظهر والعصر في منى، وأتى خيف بني كنانة -وهو ما يسمى المعابدة اليوم- فنزل فيه صلى الله عليه وسلم وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء يقصر الرباعية.