ورابعهم: علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو السبطين، ومن ذريته الحسن والحسين اللذين منهما آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين ينتهي نسبهم إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعلوم أنه قتله عبد الرحمن بن ملجم الفزاري المرادي الخارجي المعروف، وعبد الرحمن هذا كان لا يفتر عن ذكر الله، وأراد أن يقتل علياً فخطب امرأة من الخوارج فقالت له: إن مهرها قتل علي؛ لأن علياً قتل في حرب يوم النهروان بعض قرابتها، فاتخذ سيفاً يعرضه على الناس، ثم وضعه في طست فيه سم، حتى إن الحديد لفظ السم، ثم خرج على علي وهو ذاهب لصلاة الفجر فضربه، ثم إنه لما هموا بأن يقتلوه كان لا يفتر من ذكر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول كما في السنن بسند صحيح: (أشقى الأولين أحيمر ثمود عاقر الناقة، وأشقى الآخرين من يخضب هذه وأشار إلى رقبة علي رضي الله تعالى عنه وأرضاه).
والهداية بيد الله.
قال شوقي رحمه الله: ريم على القاع بين البان والعلم أحل سفك دمي في الأشهر الحرم رمى القضاء بعيني جؤذر أسداً يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم لما رنا حدثتني النفس قائلة يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي جحدتها وكتمت السر في كبدي جرح الأحبة عندي غير ذي ألم جاء النبيون بالآيات فانصرمت وجئتنا بحكيم غير منصرم آياته كلما طال المدى جدد يزينهن جلال العتق والقدم أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم إن قلت في الأمر لا أو قلت فيه نعم فخيرة الله في لا منك أو نعم الله قسم بين الخلق رزقهم وأنت خيرت في الأرزاق والقسم أسرى بك الله ليلاً إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم لما رأوك به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم صلى وراءك منهم كل ذي خطر ومن يفز بحبيب الله يأتمم جبت السماوات أو ما فوقهن بهم على منورة درية اللجم ركوبة لك من عز ومن شرف لا في الجياد ولا في الأينق الرسم مشيئة الخالق الباري وصنعته وقدرة الله فوق الشك والتهم هذا هو النبي الذي جعله الله جل وعلا حظنا من الأنبياء، وجعلنا حظه من الأمم.
وإنه يحسن في خاتمة هذه الدروس أن ننبه على أن نتعبد الله جل وعلا في محبته صلوات الله وسلامه عليه، واقتفاء أثره، والتزام سنته، والسير على ما أوصى به صلوات الله وسلامه عليه، وتقديم أمره أو نهيه أو وصيته على كل أمر يبدو لنا، فمن أراد أن يعظم الله فليعظم أمره ونهيه، ومن أراد أن يعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم فليعظم أمره ونهيه، وإنما يعرف صدق المحبة من عدم الصدق فيها، أو الإحسان وبلوغ المنزلة العالية في المحبة من عدم بلوغ المنزلة في المحبة من وضعك هواك ورغباتك ومطامعك وآمالك ورأيك أمام أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه من عدمه.
ولقد وجد من الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم كـ ابن عمر وغيره ممن نال القدح المعلى في أنهم كانوا عظيمي اقتفاء الأثر بنبينا صلى الله عليه وسلم، فيخرج معه أنس إلى خياط يصنع طعاماً له عليه الصلاة والسلام فيرى أنس النبي يأكل من الدباء، فيرجع أنس فلا يطعم طعاماً بعد ذلك إلا ويضع الدباء فيه؛ اتباعاً لنبينا صلى الله عليه وسلم، مع أن المسألة غير تعبدية.
وعبد الله بن عمر ما طاف بالبيت قط لا في حج ولا في عمرة إلا ويستلم الركنين اليمانيين، وأحياناً كان يضرب وينزل الدم على أنفه وهو يمضي ويقول: ما تركت استلامهما منذ أن رأيت نبينا صلى الله عليه وسلم يستلمهما، كما أنه كان هناك باب في المدينة في مسجده يختلف عليه الرجال حيناً والنساء، فقال صلى الله عليه وسلم: (لو أننا تركنا هذا الباب للنساء)، فما دخل ابن عمر من ذلك الباب -وهو ساكن في المدينة- حياته كلها حتى مات رضي الله عنه وأرضاه؛ لأن سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لو تركنا هذا الباب للنساء)، ولم يقلها أمراً عليه الصلاة والسلام.
ومن أراد جواره عليه الصلاة والسلام في جنات النعيم فليوحد الله ويعبده، وليجعل من رمضان فرصة للتوبة والإنابة إليه، ويسأل الله جوار محمد صلى الله عليه وسلم، وشفاعته يوم العرض، وورد حوضه عليه الصلاة والسلام.
هذا ما تهيأ إيراده، ويسره الله جل وعلا عبر تسعة دروس ألقيناها في هذا المسجد المبارك، ولابد أن يشوبها النقص والعثرات؛ فهذه سنة الله جل وعلا في خلقه، والكمال لله تبارك وتعالى، فإن وجدت خلة أو نقصاً فسده، وإن وجدت أمراً محموداً فاقبله، والله المستعان.
ختاماً: اللهم لك الحمد لا إله إلا أنت الواحد الأحد، الفرد الصمد، الحي القيوم، الذي لم يلد ولم يولد.
السماء عرشك، وفي كل مكان رحمتك وسلطانك، ومصير كل أحد إليك، ورزق كل أحد عليك، أنت لا إله إلا أنت، ولا رب لنا غيرك، ولا إله سواك.
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، سبحان من يعيش بنعمته كل حي، سبحان من وسعت رحمته كل شيء، سبحان الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لا رب غيره، ولا إله سواه.
اللهم لك الحمد سرمداً، حمداً لا يحصيه العدد، ولا يقطع الأبد، حمداً طيباً مباركاً فيه، كما ينبغي لك ربنا أن تحمد، اللهم إنا نسألك بمحامدك كلها التي لا يبلغها قول قائل، ولا يجزي بآلائك أحد أن تصلي على محمد وعلى آله، وأن تسلم تسليماً كثيراً، وأن ترزقنا في هذا اليوم المبارك توبة نصوحاً نفيء بها إليك، ومغفرة من لدنك تمحو بها الخطايا والذنوب، ونسألك اللهم الفردوس الأعلى من الجنة، وجوار نبينا صلى الله عليه وسلم في جنات النعيم.
اللهم أحينا في الدنيا على سنته، وأمتنا إذا توفيتنا على ملته، واحشرنا يوم القيامة في زمرته.
اللهم أوردنا حوضه، وارزقنا جواره، وأسقنا من يده يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم إنا نستجير بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل، ونسألك اللهم ربنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم أخلص نياتنا يا ذا الجلال والإكرام، ولا تجعل لأحد من خلقك كائناً من كان في قولنا وعملنا وصلاتنا ونسكنا حظاً ولا نصيباً يا رب العالمين.
اللهم آيسنا من خلقك، وأقلنا من عبادك، واقطع علائق قلوبنا من غيرك يا رب العالمين، واجعل قلوبنا ترضى بقضائك، وتصبر على بلائك، وتشكرك على نعمائك، وتشتاق اللهم إلى لقائك.
اللهم توفنا إذا توفيتنا وأنت راض عنا يا رب العالمين.
اللهم إن لنا من الخطايا والذنوب ما لا يعلمه غيرك، ولا يدري عنه سواك، فاللهم كما سترتها في الدنيا فامحها عنا في الآخرة يا رب العالمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا يا ذا الجلال والإكرام.
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
وصلى الله على محمد، وعلى آله.