الاتجاهات؛ فهي تتصل بالمدائن من الشرق عبر نهر الفرات وتتصل شمالاً بـ «هيت» وتتصل بـ «الأنبار» على جسر الأنبار، وتتصل بالشام من الغرب، كما تتصل بـ «الأبلة» في منطقة «البصرة» بالعراق، وفي «كسكر» في «السواد» وفي «النعمانية» على نهر دجلة.
ومن هذا يتضح جليًّا أهمية السيطرة على هذا الموقع المهم، وكان الصديق مصيبًا عندما جعلها هدفًا لجيشين هما جيش خالد وجيش عياض، فالحيرة كانت قلب العراق وأقرب منطقة مهمة إلى المدائن عاصمة الإمبراطورية الفارسية، التي كانت تدرك هذه القيمة الاستراتيجية للحيرة، ولذا كانت ترسل القوات باتجاهها دائمًا لاستعادتها؛ لأن المسيطر على الحيرة يؤمن سيطرته على المنطقة الكائنة غربي الفرات بأجمعها، وهي عدا هذا كانت مهمة للقوات الإسلامية في قتالها الروم في بلاد الشام (?).
إن تخطيط الصديق للوصول إلى الحيرة في الفتوحات يعرف في الخطط العسكرية للجيوش الحديثة بحركة فكي الكماشة أو عملية الالتفاف الدائري بأكثر من جيش، وهذا يؤكد أن عملية فتح العراق وضم أطراف شبه الجزيرة العربية عن طريق الجهاد لم تكن محض مصادفة أو نتيجة لمجريات الحوادث. (?) ويظهر للباحث فقه أبي بكر - رضي الله عنه - في التخطيط الجهادي بأنه كان يرتكز على اتخاذ القرارات بتنظيم الجيوش وتوجيهها، وتحديد واجباتها وأهدافها، وتنسيق التعاون فيما بينها، وتحقيق التوازن على مسارح العمليات، غير أنه يترك لقادته حرية العمل العسكري لإدارة العمليات القتالية بالأساليب التي يرونها مناسبة، وبالطرائق التي تستجيب لما يجابهونه من مواقف (?).
ومن المواقف التي تذكر في الجهاد في العراق ما كان للمثنى بن حارثة الشيباني وكان يقاتل الأعداء في العراق بقومه، ولما علم بذلك أبو بكر سره ما كان منه فأمَّره على مَنْ بناحيته وذلك قبل مجيء خالد، فلما توجهت همة الصديق لغزو فارس رأى أن خالدًا أجدر القواد بهذه المهمة فوجهه لها، وكتب كتابًا إلى المثنى يأمره بالانضمام إلى خالد وطاعته، فما كان منه إلا أن سارع في الاستجابة ولحق بخالد هو وجيشه، وإن هذا موقف