الفصل الرابع
فتوحات الصديق واستخلافه
لعمر رضي الله عنهما ووفاته
إن غاية وجود الأمة المسلمة في هذه الدنيا هي توحيد الله وتحقيق عبوديته الشاملة في هذه الحياة، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، فإذا كان خلق الجن والإنس الغاية منه عبادة الله وحده سبحانه وتعالى، فكان لزامًا على الأمة المسلمة أن تسعى لتحقيق هذه الغاية وتحمل هذه الأمانة وأعباء تبليغها للناس أجمعين، بالدعوة إلى الله وتعليم الناس وتربيتهم على منهج الله، والعمل على إزالة كل العقبات التي تقف في وجه أداء هذه الأمانة إلى الناس أجمعين، وبذلك يتحقق بسط سيادة الشرع الحكيم على كل بني البشر، ويصبح الجميع يدينون بحاكمية الله سبحانه المطلقة المتمثلة في خضوع الجميع لشرع الله تعالى (?)، ولذلك شرع الله تعالى الجهاد لإزالة الحواجز والعقبات المانعة من سماع دين الفطرة التي فطر الناس عليها.
قال ابن تيمية: وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد بقصد أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فمن منع قوتل باتفاق المسلمين (?)، وقد قام - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بتبليغ واجب الدعوة إلى الله، فأرسل الكتب والرسل إلى القادة والملوك والزعماء، وبعث السرايا والجيوش لإزالة الحواجز البشرية والأعراف الجاهلية والموانع النفسية والعوائق المادية المانعة من سماع الإسلام وتفهمه، بل قاد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بذاته بعض البعوث والغزوات، والتي كان آخرها غزوة تبوك سنة 9 هـ، والناس في كل هذه المعارك والغزوات مخيرون بين ثلاثة: إما أن يدخلوا في الإسلام ويكونوا للمسلمين إخوانًا، وإما أن يختاروا البقاء على كفرهم ويدفعوا الجزية، وإما أن يرفضوا هذا وذاك فيكون السيف فاصلاً بيننا وبينهم. (?)
وسار الصديق - رضي الله عنه - على هذا المنهج وشرع إرسال الجيوش لتحقيق بشائر الرسول بفتح