بسكانها قاعدة الفتوح الإسلامية بعد ذاك، وصارت هي النبع الذي يتدفق منه الإسلام ليصل إلى أصقاع الأرض فاتحًا ومعلمًا ومربيًا (?).
إن جزيرة العرب هي قاعدة الفتوح، فكيف يتسنى الفتح إذا لم تكن له قاعدة أو كانت هذه القاعدة مضطربة غير مستقرة، أما الآن فقد أصبح ممكنًا, تعبئة كل طاقات شبه الجزيرة وشحذها للأعمال الحربية التي تلت (?).
ومن خلال أحداث الردة التي ميزت الصفوف وامتحنت الطاقات والقدرات، وكشفت عن الطبقة التي كانت تغطي معادن الأمة، ظهرت المعادن الخسيسة على حقيقتها وأعطيت القيادة للمعادن النفيسة الصلبة المصقولة لتمسك بزمام الأمور في حركة الفتوح، فالمصادر التاريخية تمدنا بمعلومات جمة عن قيادات لم تكن من المهاجرين، ولا من الأنصار ولا من الصحابة، ولكنهم تربوا من خلال كتاب الله مباشرة، ثم صقلتهم أحداث الردة وميزتهم عن غيرهم، ليصلوا إلى صدارة الجيوش الفاتحة وشهد لهم الجميع بالحنكة والأداء المتفاني والإيمان الصادق.
هذا وقد كانت القيادة المركزية في المدينة وميادين القتال تديرها قيادات غاية في التفاهم والتعاون والتحاب على الرغم من بعد المسافات، إلا أن التوازن الرائع بين دور كل من القيادة المركزية وقيادات ميادين القتال كان واضحًا وبارزًا (?).
وردت العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تحدثت على الردة كحالة تعتري بعض البشر، وكل ما ورد من النصوص ظلت في إطارها العام النظري الثابت، ولم تكن قد مورست بشكل عام في الواقع، ولما وقعت الردة وعاشها المسلمون عمليًا واستنبطوا لها أحكامًا على ضوء تلك النصوص، كانت تلك الاستنباطات معالم هادية لفقه تلك النصوص، ويتضح هذا من نقاش بين الصحابة حول موقفهم من هؤلاء القوم، فكانوا يعودون إلى النصوص يدرسون ويتحاورون حولها، وسرعان ما يتفقون على صورة