التأول «السقيم» والفهم الفاسد أبو بكر وسائر الصحابة رضوان الله عليهم، وقاتلوهم حتى أدوها إلى الخليفة كما كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?).
وظهرت العصبية القبلية بقوة، فهذا مسيلمة الكذاب يقول لبني حنيفة محرضًا إياهم على اتباعه وإنكار حق قريش بالنبوة: أريد أن تخبروني بماذا صارت قريش أحق بالنبوة والإمامة منكم؟ والله ما هم بأكثر منكم ولا أنجد، وإن بلادكم لأوسع من بلادهم وأموالكم أكثر من أموالهم (?).
وهذا الرَّجَّال بن عنفوة الحنفي الذي أضله الله على علم بعد أن قرأ القرآن وفقه في الدين يقول في حقيقة النبوة بين رسول الله ومسيلمة: كبشان انتطحا فأحبهما إلينا كبشنا. (?) وهذا طلحة النمري قال لمسيلمة عندما رآه وسمع منه ما عَلِمَ به كذبه: أشهد أنك كذاب، وأن محمدًا صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر. (?)
بل إن مسيلمة يعرف كذب نفسه، فلما كانت معركة اليمامة وبدت الغلبة للمسلمين قال له أصحابه محنقين عليه: أين ما كنت تعدنا به من النصر والآيات؟ فقال: قاتلوا على أحسابكم، فأما الدين فلا دين. (?) واختلطت عليهم التصورات والأفكار والسلوكيات والآمال، وعمل المرتدون على إنهاء الإسلام ومحوه من الوجود، وتكالبت قوى الشر على ذلك، ولكن محاولاتهم باءت بالفشل، وأحبطت جميعها بتوحد المسلمين وتجمعهم وتكتلهم حول القاعدة الصلبة للمجتمع الإسلامي التي تربت على يد رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وأصبحت تشبه القطب المغناطيسي الضخم الذي قام -بحكم طبيعته وخصائصه- بجذب كل من كان مؤهلاً للإسلام ويحمل خاصية الانجذاب إلى هذا القطب المغناطيسي الضخم الفعال، فقد أدى هذا التجمع إلى إظهار قوة الإسلام ليس بكثرة العدد والعدة، وإنما في قوة تفرده تصورًا وفكرًا وسلوكًا في لبانته الصلبة وتربيتها الفذة التي تربت عليها تلك اللبنات مجتمعة، والقوة في وضوح التعامل مع الحدث دون مواربة أو تربيت أو إغماض عين وفتح الأخرى، وإنما كانوا واضحين وضوح