العراق والشام رميًا زعزع كيانات الروم والفرس زعزعة شديدة في أمد قصير، وما ذلك إلا لأن الجيوش المنطلقة من الجزيرة كانت موحدة الصفوف موحدة الفكر موحدة الراية، محمية الظهر، مؤمنة
مراكز التموين (?).
خلفت حروب الردة آثارًا ونتائج لم تكن محدودة الزمان والمكان، وإنما شملت أجيالاً وآمادًا وتصورات وأفكارًا وسلوكيات وأحكامًا ما زالت تغذي الأجيال من بعدها وتمدها بالكثير، ومن أهم تلك النتائج:
بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اختلطت الأمور ببعضها، وسارعت الأعراب إلى الردة، فكان منهم المؤلفة قلوبهم أو من المنافقين أو الذين أسلموا رغم أنوفهم، وفي وقت متأخر، أو من الذين لم يسلموا أصلاً، ومن أمثلة الصنفين الأولين إسلام عيينة بن حصن الفزاري الذي أسلم إسلامًا فيه دخن كبير، ولذا ما إن هبت نار الفتنة حتى استجاب لها وباع دينه بدنيا طليحة الأسدي، ولما أسر وبعث إلى أبي بكر مقيدًا بالأغلال كان فتيان المدينة يمرون عليه فينخسونه بالجريد ويقولون: أي عدو الله! أكفرت بعد إيمانك؟! فيقول: والله ما كنت آمنت بالله قط. (?) ومن هؤلاء الذين يقال إنهم لم يسلموا أصلاً قبيلة عنس اليمنية، وهي قبيلة الطاغية الأسود الذي ادعى النبوة وفعل في بلاد اليمن الأفاعيل ونكل بالمسلمين.
ومن أمثلة سوء الفهم لنصوص الإسلام التي أدت بهؤلاء إلى الكفر أن بعضًا منهم أنكر الزكاة محتجًا بمدلول قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
فقد جاء في التعليق على هذه الآية في تفسير ابن كثير -رحمه الله- قوله: «اعتقد بعض مانعي الزكاة من أحياء العرب أن دفعها إلى الإمام لا يكون وإنما كان هذا خاصًّا برسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وقد احتجوا بقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً" وقد رد عليهم هذا