إلى العراق لما رأت قوة المسلمين.

لقد كان المسلمون بقيادة أبي بكر على مستوى اليقظة والمسئولية، فحفظوا الحدود الشمالية بدقة، فمن الشرق إلى الغرب على طول الحدود الشمالية المتاخمة للفرس والروم نجد العلاء بن الحضرمي، وخالد بن الوليد شمال نجد، ثم عمرو بن العاص في دومة الجندل، وخالد بن سعيد على مشارف الشام، ناهيك عن جيش أسامة (?).

كان الفرس يتربصون بالإسلام الدوائر، ولكنهم كمنوا كمون الأفعى، وخاصة أنهم كانوا يرون المد الإسلامي يكتسح من أمامه كل أقزام التاريخ، ويزيح من وجهه جميع قوى الشر والطغيان، وعندما حانت الفرصة بارتداد بعض القبائل عن الإسلام، وتوجهت قبيلة بكر بن وائل إلى كسرى بعد وفاة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تعرض عليه إمارة البحرين فلاقى العرض قبولاً لديه، وأرسل معهم المنذر بن النعمان على رأس قوة مؤلفة من سبعة آلاف فارس وراجل وعدد من الخيل تقارب في أعدادها المائة لمساعدتهم في مواجهة المسلمين، وهم شرذمة لا يخشى خطرهم كما يقول الكلاعي (?)، وكان مسيلمة الكذاب تتطلع إليه الأعين من بلاط فارس (?)، وقد ذكر الدكتور محمد حسين هيكل: من أن سجاح لم تنحدر من شمالي العراق إلى شبه الجزيرة يتبعها رهطها إلا مدفوعة بتحريض الفرس وعمالهم في العراق، كي يزيدوا الثورة في بلاد العرب اشتعالاً (?).

هذا عن دور الفرس، أما دور الروم فقد كان أظهر وأخطر؛ ذلك لأن موقف الروم من الإسلام ودولته كان أصلب وأعتى، فهم أمة ذات فكر وعقيدة وذات نظم وقوانين متقدمة، ولهم من العدد والعُدد مدد لا يكاد ينقطع، ومن الحلفاء والأتباع دول ودول، ولذا كانت العلاقات بينهما في أعلى درجات سخونتها وتوترها منذ فترات مبكرة (?)، وقد لجأ الروم ومنذ وقت مبكر بعد وصول كتب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى محاولة الصدام مع المسلمين، فكان من جراء ذلك غزوتا: مؤتة وتبوك اللتان أثبتتا لهم ماديًا أن الدولة الإسلامية ليس من السهل ابتلاعها أو شراء أصحابها، كما أثبتتا للمسلمين من جهة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015