بروح العبادة، تحقيقًا لتوجيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» (?).
هذه من أهم سمات عصر الصديق الذي هو بداية الخلافة الراشدة، وهذه السمات جعلته مجتمعًا مسلمًا في أعلى آفاقه، وهي التي جعلت هذه الفترة هي الفترة الثالثة في تاريخ الإسلام، كما أنها هي التي ساعدت في نشر هذا الدين بالسرعة العجيبة التي انتشر بها، فحركة الفتح ذاتها من أسرع حركات الفتح في التاريخ كله، بحيث شملت في أقل من خمسين عامًا أرضًا تمتد من المحيط غربا إلى الهند شرقا، وهي ظاهرة في ذاتها تستحق التسجيل والإبراز، وكذلك دخول الناس في الإسلام في البلاد المفتوحة بلا قهر ولا ضغط، وقد كانت تلك السمات التي اشتمل عليها المجتمع المسلم هي الرصيد الحقيقي لهذه الظاهرة، فقد أحب الناس الإسلام لما رأووه مطبقًا على هذه الصورة العجيبة الوضاءة، فأحبوا أن يكونوا من بين معتنقيه (?).
أدت حركة الدولة الإسلامية الضاربة في الجزيرة العربية إلى لجوء كثير من القبائل المجاورة لكل من الروم والفرس وأبوا التسليم للدولة الإسلامية، وما إن سمعوا بوفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حتى سعوا للتقرب من الدولتين، واستغل الفرس والروم هذه القبائل بالحض والتشجيع والدعم لتقف ضد الدولة الإسلامية (?)، فكانت سياسة الصديق للتصدي لهذا الدعم الخارجي بأن أرسل حملة أسامة بن زيد إلى الشام بعد وفاة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكانت تلك الحملة بمثابة الضمان لعدم استرسال تلك القبائل على مهاجمة الدولة الإسلامية، وأرسل أبو بكر أيضًا خالد بن سعيد بن العاص على رأس جيش إلى الحمقتين من مشارف الشام، وعمرو بن العاص إلى تبوك ودومة الجندل، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى البحرين «أي: ساحل الخليج العربي كله»، ثم تابع المثنى بن حارثة الشيباني إلى جنوب العراق بعد القضاء على ردة البحرين، واضطرت سجاح التميمية -وقد كانت من نصارى العرب في العراق التي كانت تحت سيطرة الفرس- أن ترتد عائدة