وقالوا للصديق: إن العرب قد انتقضت عليك وإنك لا تصنع بتفريق الناس شيئًا (?)، فأولئك الناس لم يكونوا كعامة الناس بل كانوا من الصحابة الذين هم خير البشر وجدوا على الأرض بعد الأنبياء والرسل عليهم السلام، لكن
الصديق - رضي الله عنه - لم يستجب لهم مبينًا أن أمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجل وأكرم وأوجب وألزم من رأيهم كلهم. (?) وقد تجلت هذه الحقيقة في حادثة وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ حيث رأى عامة الصحابة -رضي الله عنهم- وفيهم عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمت، ورأى عدد قليل من الصحابة -رضي الله عنهم- أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد مات؛ منهم أبو بكر - رضي الله عنه -، وقد رأينا أن أبا بكر تمسك بالنص وبيَّن خطأ من قال: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يمت (?).
قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على رأي الأكثرين حول وفاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فيؤخذ منه على أن الأقل عددا في الاجتهاد قد يصيب ويخطئ الأكثرية، فلا يتعين الترجيح بالأكثر (?).
فخلاصة الكلام أن مما نستفيده من قصة تنفيذ الصديق جيش أسامة -رضي الله عنهما- أن تأييد الكثرة لرأي ليس دليلاً على إصابته (?)، ومما يستفاد من هذه القصة انقياد المؤمنين وخضوعهم للحق إذا اتضح لهم، فعندما ذكرهم الصديق أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد أمر بتنفيذ جيش أسامة وهو الذي عين أسامة أميرًا على الجيش، انقاد أولئك الأبرار للأمر
النبوي الكريم (?).
لما أصر أبو بكر - رضي الله عنه - على إبقاء أسامة بن زيد - رضي الله عنه - أميرا للجيش حرصًا على التمسك بما قرره رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لم يقتصر على الإصرار على إمارته فحسب، بل قدم اعترافًا عمليًا بإمارته وقد تجلى ذلك في أمرين:
أمشى أبو بكر - رضي الله عنه - مع أسامة - رضي الله عنه - وهو راكب، وقد كان ابن عشرين سنة أو ثماني عشرة سنة، وكان الصديق - رضي الله عنه - قد تجاوز ستين سنة من