عمره، وأصر على المشي مع أسامة - رضي الله عنه -، كما أصر على بقاء أسامة - رضي الله عنه - راكبًا لما طلب منه أسامة - رضي الله عنه - إما أن يركب هو أو يأذن له بالنزول، فلم يوافق - رضي الله عنه - لا على هذا ولا على ذاك، وبهذا قدم - رضي الله عنه - باستمراره في مشيه ذلك دعوة لجيش أسامة - رضي الله عنه - إلى الاعتراف بإمرة أسامة - رضي الله عنه - ورفع الحرج عنها من صدورهم، وكأن الصديق - رضي الله عنه - بمشيه ذلك يخاطب الجيش فيقول: انظروا أيها المسلمون أنا أبو بكر رغم كوني خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمشي مع أسامة وهو راكب، إقرارًا وتقديرًا لإمارته؛ حيث أمره رسولنا الكريم -إمامنا الأعظم وقائدنا الأعلى صلوات ربي وسلامه عليه- فكيف تجرأتم أنتم على الانتقاد على إمارته (?).
ب كان أبو بكر الصديق يرغب في بقاء عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- بالمدينة نظرا لحاجته إليه، لكنه لم يأمر بذلك بل استأذن من أسامه - رضي الله عنه - في تركه إياه بالمدينة إن رأى هو ذلك مناسبًا، وبهذا قدم الصديق - رضي الله عنه - صورة تطبيقية أخرى لاعترافه واحترامه لإمارة أسامة - رضي الله عنه -، وفيها بلا شك دعوة قوية للجيش إلى الإقرار والانقياد لإمارته.
وهذا الذي اهتم به الصديق - رضي الله عنه - من جعل دعوته مقرونة بالعمل هو الذي أمر به الإسلام، ووبخ الرب -عز وجل- أولئك الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم (?)، قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
ومما يتجلى في هذه القصة كذلك منزلة الشباب العظيمة في خدمة الإسلام؛ فقد عين رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشاب أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- أميرا على الجيش المعد لقتال الروم -القوة العظيمة في زعم الناس في ذلك الوقت- وكان عمره آنذاك عشرين سنة أو ثماني عشرة سنة، وأقره أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - على منصبه رغم انتقاد الناس، وعاد الأمير الشاب بفضل الله تعالى من مهمته التي أسندت إليه غانمًا ظافرًا، وفي هذا توجيه للشباب في معرفة مكانتهم في خدمة الإسلام. ولو نعيد النظر في تاريخ الدعوة الإسلامية في المرحلتين المكية والمدنية لوجدنا شواهد كثيرة تدل على ما قام به شباب