وعندما أكثر وجوه الصحابة بهذا الصدد على الخليفة وخوفوه مما ستتعرض له المدينة من أخطار جسام إن هو أصر على تحريك جيش أسامة لغزو الروم، أمر بفض الاجتماع الأول (?) بعد أن سمع الصديق لرأيهم واستوضح منهم إن كان لأحدهم ما يقول، وذلك حتى يعطي إخوانه وأهل الرأي كامل الفرصة لبيان رأيهم (?)، ثم دعاهم إلى اجتماع عام آخر في المسجد، وفي هذا الاجتماع طلب من الصحابة أن ينسوا فكرة إلغاء مشروع وضعه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بنفسه، وأبلغهم أنه سينفذ هذا المشروع حتى لو تسبب تنفيذه في احتلال المدينة من قبل الأعراب المرتدين، فقد وقف خطيبًا وخاطب الصحابة (?) قائلاً: والذي نفس أبي بكر بيده، لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته (?).
نعم لقد كان أبو بكر مصيبًا فيما عزم عليه من بعث أسامة مخالفًا بذلك رأي جميع المسلمين؛ لأن في ذلك أمرًا من رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد أثبتت الأيام والأحداث سلامة رأيه وصواب قراره الذي اعتزم تنفيذه (?).
وطلبت الأنصار رجلاً أقدم سنًّا من أسامة يتولى أمر الجيش، وأرسلوا عمر بن الخطاب ليحدث الصديق في ذلك، فقال عمر - رضي الله عنه -: فإن الأنصار تطلب رجلاً أقدم سنًا من أسامة، - رضي الله عنه -، فوثب أبو بكر - رضي الله عنه - وكان جالسًا فأخذ بلحية عمر - رضي الله عنه -، وقال له ثكلتك أمك وعدمتك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وتأمرني أن أنزعه (?)، فخرج عمر - رضي الله عنه - إلى الناس فقالوا: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم! ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?).
ثم خرج أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حتى أتاهم فأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب. وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر -رضي الله عنهم- فقال له أسامة