للأمة، وقد كان - رضي الله عنه - أفصح خطباء النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، يقول عنه الأستاذ العقاد: أما كلامه فهو من أرجح ما قيل في موازين الخلق والحكمة، وله من مواقع الكلم أمثلة نادرة تدل الواحدة منها على ملكة صاحبها، فيغني القليل منها عن الكثير، كما تغني السنبلة الواحدة عن الجرين الحافل، فحسبك أن تعلم معدن القول من نفسه وفكره حين تسمع كلمة كقوله: «احرص على الموت تُوهب لك الحياة» أو قوله: «أصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة». «الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله». فهي كلمات تتسم بالقصد والسداد كما تتسم بالبلاغة وحسن التعبير، وتنبي عن المعدن الذي نجمت منه فتغني عن علامات التثقيف التي يستكثر منها المستكثرون؛ لأن هذا الفهم الأصيل هو اللباب المقصود من التثقيف، وكانت له - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لباقة في الخطاب إلى جانب البلاغة في الكلام (?).
اقترح بعض الصحابة على الصديق - رضي الله عنه - بأن يُبقي الجيش فقالوا: إن هؤلاء جل المسلمين، والعرب على ما ترى قد انتقضت بك فليس ينبغي لك أن تفرق عنك جماعة المسلمين. (?) وأرسل أسامة من معسكره من الجرف عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- إلى أبي بكر يستأذنه أن يرجع بالناس وقال: إن معي وجوه المسلمين وجلتهم ولا آمن على خليفة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وحرم رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - والمسلمين أن يتخطفهم المشركون (?).
ولكن أبا بكر خالف ذلك وأصر على أن تستمر الحملة العسكرية في تحركها إلى الشام مهما كانت الظروف والأحوال والنتائج، ولم يسترح أسامة وهيئة أركان حربه لإصرار الخليفة على رأيه، وقد بذلوا لدى الخليفة عدة محاولات كي يقنعوه بصواب فكرتهم، وعندما كثر الإلحاح على أبي بكر دعا عامة المهاجرين والأنصار إلى اجتماع في المجلس لمناقشة هذا الأمر معهم، وفي هذا الاجتماع دار نقاش طويل متشعب، وكان أشد المعارضين لاستمرار حملة الشام عمر بن الخطاب، مبديًا تخوفه الشديد على الخليفة وحرم رسول الله وكل المدينة وأهلها من أن تقع في قبضة الأعراب المرتدين المشركين،