وإنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإن استقمت فتابعوني وإن زغت فقوموني، وإن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبض وليس أحد من هذه الأمة يطلبه بمظلمة -ضربة سوط فما دونها - وإن لي شيطانًا يعتريني، فإذا أتاني فاجتنبوني، لا أؤثر في أشعاركم وأبشاركم وأنتم تغدون وتروحون في أجل قد غيب عنكم علمه، فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح فافعلوا، ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله، فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال، فإن قومًا نسوا آجالهم وجعلوا أعمالهم لغيرهم، فإياكم أن تكونوا أمثالهم، الجد الجد، والوحا الوحا، والنجاء النجاء، فإن وراءكم طالبًا حثيثًا, مَرُّه سريع, احذر الموت واعتبر بالآباء والأبناء والإخوان ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبطون به الأموات (?).
وقام أيضًا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه، فأريدوا الله بأعمالكم، فإنما أخلصتم لحين فقركم وحاجتكم, اعتبروا عباد الله بمن مات منكم، وتفكروا فيمن كان قبلكم، أين كانوا أمس وأين هم اليوم، أين الجبارون الذين كان لهم ذكر القتال والغلبة في مواطن الحروب؟ قد تضعضع بهم الدهر وصاروا رميمًا، قد توالت عليهم العالات, الخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات, وأين الملوك الذين أثاروا الأرض وعمروها؟ قد بعدوا ونسي ذكرهم وصاروا كَلاً شيء إلا أن الله -عز وجل- قد أبقى عليهم التبعات وقطع عنهم الشهوات، ومضوا والأعمال أعمالهم والدنيا دنيا غيرهم، وبعثنا خلقا بعدهم، فإن نحن اعتبرنا بهم نجونا، وإن انحدرنا كنا مثلهم. أين الوضاءة الحسنة وجوههم المعجبون بشبابهم؟ صاروا ترابًا، وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم. أين الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحوائط، وجعلوا فيها الأعاجيب؟ قد تركوها لمن خلفهم، فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور: {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا} [مريم: 98]. أين من تعرفون من آبائكم وإخوانكم؟ قد انتهت بهم آجالهم فوردوا على ما قدموا فحلوا عليه، وأقاموا للشقاوة أو السعادة بعد الموت، ألا إن الله لا شريك له ليس بينه وبين أحد من خلقه سبب يعطيه به خيرًا ولا يصرف به عنه سوءًا إلا بطاعته واتباع أمره، واعلموا أنكم عبيد مدينون وأن ما عنده لا يدرك إلا بطاعته، أما آن لأحدكم أن تحسر عنه النار ولا تبعد عنه الجنة (?).