فأعادوا له الثالثة، فقال: «إنكن صواحب يوسف (?)، مروا أبا بكر فليصل». فخرج أبو بكر فوجد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في نفسه خفة، فخرج يهادي بين رجلين، كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن مكانك، ثم أتي به حتى جلس إلى جنبه. قيل للأعمش: فكان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر، فقال برأسه: نعم. (?) واستمر أبو بكر يصلي بالمسلمين، حتى إذا كان يوم الإثنين، وهم صفوف في صلاة الفجر، كشف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستر الحجرة ينظر إلى المسلمين وهم وقوف أمام ربهم، ورأى كيف أثمر غرس دعوته وجهاده، وكيف نشأت أمة تحافظ على الصلاة، وتواظب عليها بحضرة نبيها وغيبته، وقد قرت عينه بهذا المنظر البهيج، وبهذا النجاح الذي لم يقدر لنبي أو داع قبله، واطمأن أن صلة هذه الأمة بهذا الدين وعبادة الله تعالى صلة دائمة لا تقطعها وفاة نبيها، فمليء من السرور ما الله به عليم، واستنار وجهه وهو منير. (?)
يقول الصحابة -رضي الله عنهم-: كشف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستر حجرة عائشة ينظر إلينا وهو قائم، وكأن وجهه ورقة مصحف ثم تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح، وظننا أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خارج إلى الصلاة فأشار إلينا أن أتموا صلاتكم، ودخل الحجرة وأرخى الستر (?)، وانصرف بعض الصحابة إلى أعمالهم، ودخل أبو بكر على ابنته عائشة وقال: ما أرى رسول الله إلا قد أقلع عنه الوجع, وهذا يوم بنت خارجة -إحدى زوجتيه- وكانت تسكن بالسُّنح (?)، فركب على فرسه وذهب إلى منزله (?).
واشتدت سكرات الموت بالنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ودخل عليه أسامة بن زيد وقد صمت فلا يقدر على الكلام، فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعها على أسامة، فعرف أنه يدعو له، وأخذت السيدة عائشة رسولَ الله وأوسدته إلى صدرها بين سحرها (?)، ونحرها، فدخل
عبد الرحمن بن أبي بكر وبيده سواك، فجعل رسول الله ينظر إليه، فقالت عائشة: آخذه