لك؟ فأشار برأسه نعم، فأخذته من أخيها ثم مضغته ولينته وناولته إياه، فاستاك به كأحسن ما يكون الاستياك، وكل ذلك وهو لا ينفك عن قوله: «في الرفيق الأعلى». (?) وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بجانبه ركوة ماء أو علبة فيها ماء، فيمسح بها وجهه ويقول: «لا إله إلا الله ... إن للموت سكرات» ثم نصب يده فجعل يقول: «في الرفيق الأعلى»، حتى قبض ومالت يده. (?) وفي لفظ أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يقول: «اللهم أعني على سكرات الموت» (?).
وفي رواية: أن عائشة سمعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند الظهر يقول: «اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى» (?).
وقد ورد أن فاطمة -رضي الله عنها- قالت: واكرب أباه، فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم»، فلما مات قالت: يا أبتاه .. أجاب ربًّا دعاه، يا أبتاه .. جنة الفردوس مأواه، يا أبتاه .. إلى جبريل ننعاه. فلما دفن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قالت لأنس: كيف طابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التراب (?).
فارق رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدنيا وهو يحكم جزيرة العرب، ويرهبه ملوك الدنيا، ويفديه أصحابه بنفوسهم وأولادهم وأموالهم، وما ترك عند موته دينارًا ولا درهمًا، ولا عبدًا، ولا أمة، ولا شيئًا، إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضًا جعلها صدقة. (?)
وتوفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير (?)، وكان ذلك يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الأول سنة إحدى عشرة من الهجرة بعد الزوال (?)، وله ثلاثة وستون سنة. (?) وكان أشد الأيام سوادًا ووحشة ومصابًا على المسلمين، ومحنة كبرى للبشرية، كما كان يوم ولادته أسعد يوم طلعت فيه الشمس. (?) يقول أنس - رضي الله عنه -: كان اليوم الذي قدم فيه