هذا وقد حرصت على بيان وإظهار الرسائل التي كانت بين الصديق وخالد بن الوليد وعياض بن غنم -رضي الله عنهم- المتعلقة بفتوح العراق، وقد فصلت الخطوات التي سار عليها أبو بكر في فتوحات الشام، فتحدثت عن عزمه في غزو الروم، ومشورته لكبار الصحابة في جهادهم، وعن استنفارهم لأهل اليمن، وخطته في إرسال الجيوش، ووصاياه للقادة الذين بعثهم لفتح الشام ومتابعته لهم وإمدادهم بالرجال والعتاد والتموين، ونقله لخالد من ميادين العراق إلى قيادة جيوش الشام، وما تم في معركة أجنادين واليرموك، واستخرجت من حركة الفتوحات بعض معالم الصديق في سياسته الخارجية، من بذر هيبة الدولة في نفوس الأمم، ومواصلة الجهاد الذي أمر به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، والعدل بين الأمم المفتوحة والرفق بأهلها ورفع الإكراه عنهم، وإزالة الحواجز البشرية بينهم وبين الدعاة.
ووضحت بعض معالم التخطيط الحربي عند الصديق؛ في عدم الإيغال في بلاد العدو حتى تدين للمسلمين، وعن قدرته في التعبئة وحشد القوات وتنظيم عملية الإمداد المستمرة وتحديد هدف الحرب، وإعطائه الأفضلية لمسارح العمليات، وعزله لميدان المعركة، وتطويره لأساليب القتال، وحرصه على سلامة خطوط الاتصال بينه وبين قادة الجيوش، وبينت حقوق الله والقادة والجنود من خلال وصاياه التي ألزم بها قادة حربه.
وتحدثت عن استخلافه لعمر، وعن أيامه الأخيرة في هذه الحياة الفانية، وعن آخر ما تكلم به الصديق في هذه الدنيا بقول الله تعالى: {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"
[يوسف: 101].
لقد حاولت في هذا الكتاب أن أبين كيف فهم الصديق الإسلام وعاش به في دنيا الناس، وكيف أثر في مجريات الأمور في عصره، وتحدثت عن جوانب شخصيته المتعددة؛ السياسية والعسكرية والإدارية، وعن حياته في المجتمع الإسلامي لما كان أحد رعاياه، وبعد أن أصبح خليفة رسول الله، وركزت على دور أبي بكر الصديق باعتباره رجل دولة مميز من الطراز النادر، وعن سياسته الداخلية والخارجية وأساليبه الإدارية، وعن مؤسسة القضاء كيف كانت بدايتها في عصره لكي نستطيع متابعة التطورات التي حدثت لها ولغيرها من مؤسسات الدولة عبر العصر الراشدي والتاريخ الإسلامي.
إن هذا الكتاب يبرهن على عظمة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، ويثبت للقارئ