وكان الهامر مزد اول قتيل قتل من الفريقين فتباشرت بكر بن وائل صبرا صادقا، ودارت الحرب بينهم كأشد ما يكون مليا من النهار، وعطشت العجم عطشا شديدا، وكاعوا عن الحرب لشدة ما اصابهم من العطش. وهو بين الجو وبن ذي قار فلم يجدوا هناك ماء فضضعفوا عن الحرب وحال بينهم الليل، فأتوا بالماء على الابل في الروايا.

وباتوا ليلتهم فلما اصبحوا ارسل طىء ونهد واياد والعياد وسائر من كان من العجم من جنود ايلس بن قبيضة من العرب إلى بكر بن وائل رسولا يعلمونهم ان ظفرهم احب اليهم من ظفر العجم، ويخبرونهم انهم يعتزلون الحرب، ولا يكون عليهم ولا لهم ولينهزموا إذا التحمت الحرب بينهم وبين العجم.

فلما اصبحوا في اليوم الثاني، وقد وطنت بكر انفسهم بالرجال والنساء والعبيد والاماء على الموت، ولا يرجون الظفر عليهم، ولكن قالوا: نموت كراما، وقد ابلوا عذرا. وكان اكثرهم الرجالة، فعبأوا الخيل، وقد السبعة الالاف درع التي للنعمان..وصفوا الرجالة صفوفا امام الخيل معهم القسي والنبل، ومع المعازيل الترسة، والرماح، وبين رامحين نابل، وقد تواصلوا الا تطارلهم عند المناوشة حتى يحملوا عليهم.

ثم زحف الفرقان بعضهم إلى بعض، حتى إذا كانوا بحيث ينالهم نشابهم، واعجلتهم بكر ببن وائل بالملابسة بالقنا ثم بالسيوف، وقصدوا إلى الكتيبة العظمى وهي سود اكانها حرة، فصدقوهم الطعن والضرب حتى اكبوهم على اخرهم، فلم يكن يسمع الا وقع الحديد على الحديد، وصبرت لهم بكر بن وائل في حملتهم تلك حتى انتعلت الخيل بالدماء، وطفقت تعثر بالقنا، وحتى كشفوا رجالتهم، وولى من كان من العرب مع اياس بن قبيضة، فانكسرت العجم لذلك انكسارا شديدا. وقد نفد ما كان معهم من اللماء فاصابهم الحر والعطش وبكر بن وائل لا يبالون بحر ولا عطش، وهو عليه وعاداتهم عليه.

ثم خرج زيد بن جمان السكون، ومن كان معه من بكر بن وائل وراء العجم فولوا منهزمين على وجوههم ولا يلوون على شيء، فاتبعهم سرعان بكر بن وائل فقتلوا منهم مقتلة عظيمة ولحق حنظلة بن ثعلبة بن شيبان هرمزد جرايرة وكان على ميسرة العجم وقد جهده العطش فطعنه طعنة خر منها ميتا وشد الحوفزان واسمه الحارث بن شريك عليه فقتله، ورفع هانىء بن مسعود فأراد قتل اياس فمنعه قيس بن مسعود المعروف بذي الحدين، وحال بينه وبن ذلك واتبع العجم خمسمائة فارس من بني شيبان وبني عجل لا يلوون على سلب ولا غيره يومهم ذلك كله يقتلون من ادركوا منهم حال بينهم الليل وانهزمت العجم، حتى لحقوا بكسرى بالمدائن.

واستولت بكر بن وائل من مكان من العرب من القحطانية، عند اياس ابن قبيضة على سواد العجم، وغنموا اموالهم، فتهادت النساء المسك في صحاف الذهب والفضة، وكانت على جميع كسرى للعرب دائرة لم يسمعبها. وقالت شعراء العرب في ذلك واكثروا، ففي ذلك يقول الاعشى:

فلدي لبني ذهل شيبان ناقتي ... وراكبها يوم اللقاء وقلت

هم ضربوا بالحنو حنو قراقر ... مقدمة الهامرز حتى تولت

ثم قال الفرزدق في ذلك:

اني وان كانت تميم عمارتي ... وان كنت منها في فروع الجماجم

لأثني على فتيان بكر بن وائل ... يوافي جمعهم في المواسم

اقاموا لكسرى يضربون جموعه ... ونهرا إذا جاءت وجمع الاراقم

فلما برحوا حتى تهادت نساؤهم ... ببطحاء ذي قار عباب اللطائم

فيوم ذي قار، يوم فضيلة للقحطانية والعدنانية، لا شتراكهم فيه، وهو على العجم شهرته تغني، وقال فيه الطائي:

فانتم بذي قار قد امالت سيوفكم ... عروس اللذين استرهنوا قوس حاجب

يعني بكر بن وائل. وهذا يوم اليمانية والعدنانية.

قال دعل وصفت هذه الحرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالمدينة، فقال لأصحابه ومن حضر منهم: " يوم ذي قار اول يوم انتصفت العرب من العجم وبي نصرا " يقول اسمي حين جعلوا شعارهم يا محمد يا محمد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015