ثم خرج من الحيرة قاصدا إلى كسرى فاقبل حتى وافى المدائن فاستقبله زيد بن عدي، فقال له النعمان: با ابن اللخنا، والله ان بنيت لك الحقتك بأبيك، قال له زيد: أما والله ايها الملك لقد بنيت لك عند الملك مبنية لا تقلع ابدا. ثم دخل على كسرى وقال له: ايها الملك ان هذا الغلام، يعني زيد بن عدي، ترجم للخصي في جواب كلامه فيما كتبت به اليك على التحريف، ودخل زيد على اثره، فقال لكسرى: ايها الملك ان هذا الملك إذا جلس على سرير ملكه، ووضع التاج على رأسه، دعا بشرابه لا يظن ان لك سلطانا ولا ملكا. ثم التفت إلى النعمان، فقال له: ألست القائل انك تسلب العجم ملكها، ويفضي اليك سلطانها، وفهم ذلك كسرى فحده عليه وابلغ ذلك نفسه، فأمر لإالقي له السم في بعض شرابه فمات.
وتزعم المعدية ان كسرى امر به فألقي في البيت الذي فيه الفيلة فوطئته الفيلة فمات.
وقال العشى في وفاة النعمان عند قدومه إلى كسرى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته ... بغبطته يعطي القطوط ويأفق
ويحي اليه السيلحون ودونها ... صريفون في أنهارها والخورنق
ويقسم امر الناس يوما وليلة ... وهم ساكتون والمنية تنطق
ويأمر لليحموم كل عشية ... بقت وتعليق قد كان يسبق
ويعالي عليه الجل كل عشية ... ويرفع نفلا بالضحى ويعلق
فذاك وما انجى من الموت نفسه ... بساط حتى مات وهو وحزوق
فلما سمع كسرى ما اجابه النعمان عرف صدقه في ذلك وعلم انه لم يبدل في مقالته، ولم يكذب في لفظه، لانه كان يحقق ذلك عنده ويبلغه من غير النعمان فعجب من رصانة النعمان ودخلانه بالصواب في قوله وما احتج به عن قومه اسستحلى حسن لفظه، فاعجبه جرأة مقدمه وحسن محاربته، فقال له: بالله لاهل لما كنت فيه من الرياسة على قومك وعشائرك، وماكنت أنت فيه على العرب، ولقد قلت جميع ما قلت في مفقالك كله من غيرك، وبحلم تكلمت، ثم انه اهدى اليه طرفا وخلعا كثيرة من لبوسه واكرمه ثم رجع النعمان من عند كسرى إلى مملكته.
وقد زاد به نيلا عنده وخطرا لديه. حديث الوفد من العرب الذين اوفدهم النعمان لالى كسرى، وقد تكلموا به من الكلام الرصين المبين والحلة البالغة.
وان النعمان بن المنذر لما قدم إلى الحيرة من زيارة كسرى، بعث رسله في احياء العرب وفرسانهم، واهل النباهة والرياسة منهم، واهل الحكمة والعقل فيهم، فشخصوا اليه، وكانوا: اكثم بن صيفي التميمي، وعطا بن حاجب بن زرارة التميمي، وكان رئيس بني تميم وسيدهم في ذلك العصر، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وكان فارس العرب في الجاهلية والاسلام، وقيس بن هبيرة المكشوح المرادي، وزيد الخيل بن المهلهل الطائي، وحاتم الطائي، واوس بن حارثة برأيه فامرهم وقال لهم لا ارى غير لفتنة ان تعطفوا بقتل النقاتلة وسبي الذرية، وسلموا خفارتكم، ولا يكون ذلك وان تضيعوا في الفلاة قتلكم العطش، وافضيتم إلى بلاد بني تميم فقطعن عايكم واخذوا الاموال وما الرأي الا القتال، فأمروا بينهم، وقالوا: أما ان نسلم خفارتنا فلا يكون ذلك، وان اضعنا في الفلاة افضينا إلى بلاد فيقطعون علينا فيأخذون الاموال وما الرأي الا القتال. وجهزوا خمسمائة من الابطال، وولوا علهم، وولوا عليهم زيد بن جمان اليشكري، وامرهم نا يكمنوا للعجم وسائر اصحاب اياس بن قبيضة وكمنت لهم بمكان يسمى إلى الان الجنا.
فزحف الفريقان بعضهم إلى بعض وعلى ميمنة بكر بن وائل بن حنظلة ابن سيار العجلي، وعلى ميسرتهم بشر بن شريك. وصار هانىء بن وسعومد في القلب في ابطال بني شيبان، واشرافهم. وعلى ميمنة اياس قبيضة حتى وقف ربن الصفين. ونادى بالفارسية: مرد ومرد. فقال: وابيكم لبقد انصف، ثم خرج واختلف بنهما ضربتان، فضربه مرثد ضربة بالسيف على منكبه فقد درعه فأبان فخر صريعا.