وَكَانَ رَحمَه الله حازماً مستيقظاً غزير الْعقل سديد الآراء إِذا مكر وخديعة حَلِيمًا صبوراً واتته السَّعَادَة واتسع ملكه وَكَثُرت أَوْلَاده وَخلف سِتَّة عشر ولدا ذكرا غير الْبَنَات وَلم يكن أحد من أَوْلَاده حَاضرا عِنْده فَحَضَرَ إِلَيْهِ ابْنه الْملك الْمُعظم عيس وَكَانَ بنابلس فكتم مَوته وَأَخذه مَيتا فِي محفة وَعَاد بِهِ إِلَى دمشق واحتوى على جَمِيع مَا كَانَ مَعَ أَبِيه من الْجَوَاهِر وَالسِّلَاح فَلَمَّا وصل إِلَى دمشق حلف النَّاس وَأظْهر موت أَبِيه وَكتب إِلَى الْمُلُوك من أخوته وَغَيرهم يُخْبِرهُمْ بِمَوْتِهِ وَاسْتقر بعده فِي السلطنة بالديار المصرية وَلَده الْملك الْكَامِل أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد وَاسْتقر فِي الشَّام أَخُوهُ الْملك الْمُعظم عيس ابْن الْملك الْعَادِل أبي بكر وَكَانَت مَمْلَكَته من حُدُود بلد حمص إِلَى الْعَريش يدْخل فِي مَمْلَكَته بِلَاد السواحل الإسلامي وبلاد الْغَوْر وفلسطين والقدس والكرك والشوبك وصرخد وَغير ذَلِك (تخرب أسوار بَيت الْمُقَدّس) لما توفّي الْملك عَاد الإفرنج لجِهَة القاهر وملكوا دمياط وهجموها فِي عَاشر رَمَضَان سنة سِتّ عشر وسِتمِائَة وأسروا من بهَا وَجعلُوا الْجَامِع كَنِيسَة وَاشْتَدَّ طعمهم فِي الديار المصرية فَلَمَّا رأى الْملك الْمُعظم عِيسَى ذَلِك خشِي أَن يقصدو الْقُدس فَلَا يقدر على مَنعهم فَأرْسل الحجازين والنقابين وشرعوا فِي تخريبه فِي سنة سِتّ عشرَة وسِتمِائَة فخرب أسواره وَكَانَت قد حصنت إِلَى الْغَايَة وانتقل مِنْهُ عَالم عَظِيم وهرب أَهله مِنْهُ خوفًا من الإفرنج أَن تهجم عَلَيْهِم لَيْلًا أَو نَهَارا وَتركُوا أَمْوَالهم وأثقالهم وتمزقوا فِي الْبِلَاد كل ممزق حَتَّى قيل إِنَّه بيع القنطار الزَّيْت بِعشْرَة دَرَاهِم والرطل النّحاس بِنصْف دِرْهَم وضج النَّاس وابتهلوا إِلَى الله تَعَالَى عِنْد الصَّخْرَة وَفِي الْأَقْصَى