فأمَّا قوله تعالى: (يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) فإنما المراد به أنهم قالوا ذلك بأنفسِهم وأفواهِهم بغير إشارةٍ ولا كتابِ ولا مراسلةٍ لأن القائلَ قد يقول: قلت لزيد كذا وهو يعني أمرتُ من يقولُ له، وراسلته به، وكتبتُ بذلك إليه، وأشرتُ إشارة ورمزتُ رمزا، قال الله تعالى: (آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا) .

وقال الشاعر:

وقالت له العينان سمعاً وطاعةً ... واحْدَرتا كالدُّر لما ينظم

وقال آخر:

وتُخبرني العينان ما القلبُ كاتم ... فإذا قال له قلت له بفمي ولساني

زالت التأويلات.

وكذلك الجواب في قوله: (يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ) لأنه أرادَ أنهم

تولوا خَطَّهُ بأيديهم لا بواسطة وأمر منهم، وعلى وجه ما يقولُ القائل: كتبَ

رسولُ الله إلى النجاشيّ، وكتبَ الخليفةُ إلى فلان، أي أمرَ بالكتاب إليه.

فأمَّا قولُه تعالى: (وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ) ، فإنه أرادَ جنسَ الطيران دونَ

السرعةِ في الأمرِ والقصدِ لأنّ القائلَ من العربِ قد يقولُ لمن يأمُرهُ طر

وأسرع في هذا الأمر، أي بادر، ويقول: طرتُ إلى فلان، أي أسرعت، فإذا قيلَ طارَ الشيءُ بجناحيه انصرفَ إلى جنسِ الطيران بالجناح الذي هو الأصل الذي يشته به السرعةُ في القصد والأمر.

فأمّا قوله: (وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) فإنما أوردَه تعالى على

مذهبهم في قولهم نفسيَ التي بينَ جنبى، ونفسُه لا تكونُ إلا بينَ جنبيه.

فأمَّا قوله تعالى: (فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) ، فهو لأن السقفَ قد

يخرُ عليهم من تحتهم إذا كانوا في الغرف، وقد يقولُ القائل: خرَّ علي في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015