أشهر وعشراً" وهذا على معنى الإيجاب لا على معنى الإباحة لأن ذلك مستثنى من التحريم وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحدّ" وهذا يقتضي أن لفظة (افعل) وهو قوله: "أربعة " تكون بعد الحظر على بابها وهو الإيجاب فالحظر هنا التحريم فاستثنى منه الإيجاب كما نرى خلافاً لمن قال من الفقهاء إنها تقتضي الإباحة.
فإن قيل الاستثناء في الحديث وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إلا على زوج.." الخ قد وقع بعد النفي فيدل على الحل فوق الثلاث على الزوج لا على الوجوب قيل إن الوجوب استفيد من دليل آخر بالإضافة إلى ما قلنا وهذا الدليل هو الإجماع وهو ما سنبيِّنه فيما يأتي.
وأما الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة منهم عبد الله بن عمر وعائشة وأم سلمة وغيرهم -رضي الله عنهم- القول بوجوب الإحداد ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا من الصحابة- رضي الله عنهم1
ومستند الإجماع هو ما ذكرناه من النصوص الدالة على وجوب الإحداد.
وأما المعقول فهو يفيد إيجاب الإحداد على المعتدة من الوفاة أيضاً لأن الحداد إنما وجب إظهاراً لحق الزوج على زوجته تأَسُّفاً على ما فاتها من حسن العشرة ودوام الصحبة إلى وقت الموت زد على هذا أنّ الحداد يكون واجبا لسبب آخر وهو فوات النكاح الذي هو نعمة في الدين خاصة في حقها لما فيه من قضاء لشهوتها وعفتها عن الحرام وصيانة نفسها عن الهلاك بدرور النفقة وقد انقطع ذلك كله بالموت فلزمها الإحداد إظهاراً للمصيبة والحزن2.
فهذا هو النص والإجماع والمعقول كلها قاضية بإيجاب الحداد إذا وجد سببه وهو بّين كما ترى والله أعلم.
ثانيا: ذهب الحسن البصري والشعبي إلى عدم وجوب الإحداد على المعتدة من الوفاة وهو قول شاذ مخالف لإجماع أئمة المسلمين ولهذا رده بعضهم فإنّ الخلال نقل بإسناده عن أحمد عن هشيم عن داود عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد قال أحمد: "ما كان بالعراق أشد تبحراً من هذين- يعني الحسن والشعبي- " قال أحمد: "وخفي ذلك عليهما". قال ابن حجر في الفتح: بعد إيراده ما ذكر "ومخالفتهما لا تقدح في الاحتجاج وإن كان فيها ردّ على من ادّعى الإجماع"3.