أذرع وكون هذا أيسر من الأول، وأيضا، فأن جرية النيل الأصلية مادّتها عيون، وأما زيادته فمادتها أمطار، ونقصان العيون دليل على احتراق السنة ويبس الهواء وقلة البخار فيقل المطر لذلك، وأيضا فإنّ المدّ الزائد على القاع أكثره في الغالب ثلاث عشرة ذراعا فإذا، كأن القاع ذراعا أو ذراعين ثم زاد عليه أكثر المد وهو ثلاث عشرة ذراعا، لم يلحق ماء السرطان.
وأما كون الخضرة دليلا على قلة الزيادة، فلأن النيل الماضي يغادر نقائع وغدرانا بعضها ينضب وبعضها يطحلب ويعطن ويأسن، فإذا مرت بها أمطار ضعيفة اختلطت بها وصبّتها إلى النيل، ولم يكن فيها من الكثرة ما يغلب على النقائع
فيصلحها، بل النقائع تغلب على الأمطار المتّصلة بها فتحيلها إلى الفساد وينحط منها مقدار بعد مقدار ويتواصل إلينا، وكلما كانت الأمطار أضعف وأقل، كانت أيام جري الخضرة أطول فإذا كانت أمطار قوية، غسلت تلك المستنقعات وغلبت عليها وحورتها بسرعة، مغمورة بطين تجرفه بقوّتها فيخفي منظرها، ويتعفى أثرها، وأيضا فإن الأنهار الخارجة من جبل القمر تجتمع بأخرى إلى بركة عظيمة ذات مساحة فسيحة ومن هذه البركة يخرج هذا النيل، ولا شك في أن هذه البركة ملؤها دائم فيطحلب ولا سيّما شطوطها وضحاضحها، فإذا وقع الوسمي وجرى إليها سيوله، أثارت ما في قعرها وحركت ما كان ساكنا فيها وانكسح أيضا ما في الشطوط إلى الأوساط وانسحبت إلى حمل الجرية فاستصحبته، وأما كون الخضرة في أبيب دليل النقصان فلأن أبيب مظنة الزيادة وغلبة الماء على هذه الأوشاب، فإذا بقي على خضرته إبّان زيادته أذِن بقلَّته، وهذه الأجزاء النباتية التي تصحب الماء إنما هي حطام النبات المتكوِّن في الماء وحوله كالبردي والديس والسمار المطحلب وغير ذلك، فتعفّن فيه وتصفّر أجزاؤه وتنبعث معه، ومما يوجب انبعاثها أيضا نقصان الماء من تلك البركة فإن ماءها إذا قلّ اتصلت الجرية بقعرها فانسحب كدَرُها وراسِبها، وإذا كانت غمرا كانت الجرية من أعلاها وصفوها فاعرف ذلك، ولهذا لا تأتي هذه الخضرة إلّا في السنة التي يحترق فيها النيل وكلما كان احتراقه أشد، كان ظهور الخضرة أكثر، وفي السنة التي كون نيلها غمرا لا يحترق لا ترى الخضرة، لأن كثرته لكثرة مبدية وارتفاع جريه عن مقر كدورته،
فإذا اجتمعت هذه الدلائل كلها أو جلّها في سنة، فظنّ ظنا قوياً بأنّ الزيادة قليلة فيها فهذه