يلطّف الطبخ جوهرها فيختلط بالماء اختلاطا أشدّ عن الأول فيظهر التغير في ريحه وطعمه أكثر، ويصير ذلك بمنزلة الماء إذا طُبخ فيه سِلق أو فجل أو نحوه، فإن النار تمزج بين الماء ولطيف النبات، وأما الماء الذي يصلح بالطبخ وإياهُ قصد الأطباء، فهو الذي تغيره بمخالطته أجزاء أرضية، فإنها تنفصل عنه بالطبخ لأن الماء حينئذ يلطف فترسب فيه.
ثم أنه دامت خضرته أياما من رجب وشعبان ورمضان، واضمحلّت في شوال، وكان يصحب الخضرة دودٌ وحيوانات، وهذا التغير في الماء يكون بالصعيد أكثر لأنه أقرب إلى المبدأ والمعدن، وانتهت زيادته في الحادي عشر من توت إلى اثنتي عشرة ذراعا وإحدى وعشرين إصبعا ثم أنحط، وورد في شوال رسول ملك الحبشة ومعه كتاب يتضمّن موت مَطرانهم ويلتمس عوضه، وذكر فيه أنّ مطرهم في هذه السنة ضعيفٌ وأن النيل قليل المد لذلك.
وكنا اقتصصنا في ذلك الكتاب حال النيل في هذه السنة وفي السنين الخوالي،
رجاء أن نعثر على نسب بينها، وأعراضٍ لها نقف منها على المتجددات من أحوال النيل في سِني النقصان، فيمكننا تقدمة المعرفة وأخذ الأُهبة والإنذار بالحوادث المتوقَّعة، فإن أقباط الصعيد يزعُمون أنهم يتكهنون على مقدار الزيادة في السنة من طين معلوم الوزن ينجّمونه في ليلة معروفة ويزنونه غدوة فيجدونه قد زاد فيحكمون من مقدار زيادته على مقدار زيادة النيل، وقوم يتكهنون من حمل النحل، وقوم من تعسيل النحل.
فرأيت في الغالب من حال القاع إذا كان أقلّ مِن المعتاد كانت الزيادة في تلك السنة أقل من المعتاد هذا حكمه الأكثري، فإن أتت الخضرة في أول زيادته وقبيلها، قوِيَ الظنُّ بضعف جريته، فإن طالت أيام الخضرة وضعف مقدار الزيادة قوي الظن جدا بقلَّته، فإن دامت الخضرة في أبيب أذِن بقلّة المدِّ وعلّةُ هذا ظاهرة، أمّا كون قلة القاع دليلا على قلة الزيادة، فلأنّ المطر الذي هو على الزيادة ينبغي أن يكون فيه من الكثرة ما يرد القاع إلى الحالة المعتادة يزيد عليها الزيادة المعتادة وهذه كثرة لا تفي بها أمطار كل سنة ولا توجد كل وقت، مثاله أنّ القاع إذا كان ذراعا مثلا فينبغي أن تكون الزيادة إلى عشر