فائدة هذا الاقتصاص، وفيه فوائد أُخر منها أنّ من يأتي بعد إذا أضافه إلى ما يشاهده، يوشك أن يعثر منه على مناسبة أو دلالة أخرى على مقدار الزيادة
والنقصان في كل سنة، ومنها أن أصحاب الأحكام النجومية إذا تأمّلوا المُدد التي بين النقصانات والزيادات، واعتبروا أحوال الكواكب والاقترانات فيها وطوالع مصر وبلاد السودان وأرباب الولايات فيها من الكواكب ومزجوا ذلك، أمكن أن تقوم لهم مما يتكرر صورة تجريبية في مقدار الزيادة والنقصان، فإني إلى الآن لم أر لمنجِّمي مصر بذلك عناية، ولم أجد عندهم ما تسكن إليه النفس سوى كسر ولا ينبني على أصل.
فإنه بهذا الطريق استخرج معظم أحكام النجوم، وذلك أنّهم شاهدوا حوادث أرضية تقترن بنصبات فلكية وحركات علوية ورصدوا ذلك فألفوه يتكرر، فنسبوا تلك الحوادث إلى تلك الهيئات والنصبات فصاروا متى عثروا في تسييرهم لحركات الأشخاص العلوية على مثل تلك النصبة والهيئة حكموا بوقوع مثل تلك الحادثة،
ويُروى عن أهل التجربة من قدماء الأقباط أنه إذا كان الماء في اثني عشر يوما مِن مسرى اثنتي عشرة إصبعا من اثنتي عشرة ذراعا فهي سنة ماء وإلّا فالماء ناقص، ورأيتُ بعض من شرحَ الثمرة لبطليموس، ذكر في تفسير الكلمة الأخيرة التي يقول في أولها: النيازك تدلّ على جفاف الأبخرة فإذا كان في جهة واحدة دلّت على رياحٍ تعرض في تلك الجهة، وإذا كانت شائعة في الجهات كلّها، دلت على نقصان المياه واضطراب الهواء وعلى جيوش تختلف، فقال هذا المفسر: إنِّي لأذكر في سنة تسعين ومائتين أنّ الشهب بمصر انتثرت وعمّت الجوَّ بأسره، فارتاع الناس ولم تزل تكثر فلم يمضِ لذلك جزءٌ من السنة يسير، حتى ظمئ الناس وبلغ نِيل مصر ثلاث عشرة ذراعا واضطربَ الناس اضطراباً، زالت به دولة الطولوني من مصر وانتشرت في سنة ثلثمائة من سائر جهات الجو فنقص النيل أيضا ووقعت همرجات واضطرابٌ في المملكة، وهذه لعمري دلائل قوية ولكنّها عامة لجميع الأقاليم وليست خاصة بمصر فقط، على أنه أيضا قد وقع هذا
الحادث بعينه في سنتنا هذه من تناثُرِ الكواكب في أوَّلها ونشيش الماء في آخرها وتغير مَلِكٌ لمصر فيها بعمِّه الملك العادل بعد حرب كانت بينهما.