فإذا اختلطا فيه جرى منه إلى الحوض الكبير وهذا الحوض نحو ربعه فوق الأرض وسائره في عمقها ينزل إليه المستحمّ فيستنقع فيه، وداخل الحمّام مقاصير بأبواب، وفي المسلح أيضا مقاصير لأرباب التخصص، حتى لا يختلطوا بالعوام ولا يظهروا على عوراتهم، وهذا المسلح بمقاصيره حسَن القسمة مليح البنية وفي وسطه بركة مرخّمة وعليها أعمدة وقبة، وجميع ذلك مُزوّق السقوف مُفوّف الجدران مُبيّضا مرخّم الأرضِ بأصناف الرخام مجزع باختلاف ألوانه، وترخيم الداخل يكون أبدا أحسن من ترخيم الخارج وهو مع ذلك كثير الضياء مرتفع الازاج، جاماته مختلفة الألوان ضافية الأصباغ بحيث إذا دخله الإنسان لم يؤثِر الخروج منه، لأنه إذا بالغ بعض الرؤساء في أن يتّخذ داراً لجلوسه وتناهى في ذلك لم تكن أحسن منه.
وفي موقده حكمةٌ عجيبة، وذلك أن يتخذ بيت النار وعليه قبة مفتوحة بحيث يصل إليها لسان النار، ويُصفُّ على أفاريزها أربع قدور رصاص كقدور الهراس لكنها
أكبر منها، وتتصل هذه القدور قرب أعاليها بمجارٍ من أنابيب، فيدخل الماء من مجرى البير إلى فسقية عظيمة، ثم منها إلى القدر الأولى فيكون فيها باردا على حاله ثم يجري منها إلى الثانية فيسخن قليلا، ثم إلى الثالثة فيسخن أكثر من ذلك ثم إلى الرابعة فيتناهى حره، ثم يخرج من الرابعة إلى مجاري الحمام فلا يزال الماء جاريا وحارا بأيسر كلفة وأهون سعي وأقصر زمان وهذا العمل حاكوا به فعل الطبيعة في بطون الحيوان وطبخها الغذاء، فإن الغذاء يتنقل في الأمعاء وآلات الغذاء التي هي لكلِّ حيوان، وكلما صار الغذاء إلى مصير، حصل على صنفٍ من الهضم ومقدارٍ من النضج حتى يصل إلى المعاء الأخير وقد تناهى.
واعلم أن هذه القدور كل حين تحتاج إلى تجديد ما ينقصها فتوجد القدر الأولى التي هي وعاء البارد قد نقصت أكثر من نقصان القدر التي هي وعاء الحار بمقدارين ولذلك علة طبيعية ليس هذا موضعها.
ويفرشون أرض الأتون التي هي مقرّ النار بنحو خمسين أردبا مِلحا وهكذا يفعلون بأرض الأفران، لأن الملح من طبعه حفظ الحرارة.
وأما سفنهم فكثيرة الأصناف والأشكال، وأغرب ما رأيت فيها مركب يسمونها العشري شكله شكل شبارة داخلة، إلّا أنه أوسع منها بكثير وأطول وأحسن هنداما وشكلا، قد سُطِّح