عليها تسلط ويحكمونها غاية الإحكام، حتى أنه يقوم على عمارة الواحد منها مائة دينار إلى خمسمائة، وإن كانت بإذاهيجات المنازل الصغار يغرم على الواحد منها دينار وأسواقهم وشوارعهم واسعة وأبنيتهم شاهقة ويبنون بالحجر النحيت والطوب الأحمر وهو الآجر، شكل طوبهم على نصف طوب العراق.

ويحكمون قنوات المراحيض، حتى أنه تخرب الدار والقناة قائمة، ويحفرون الكنف إلى المعين فتغير عليها برهة من الدهر طويلة ولا يفتقر إلى كسح، وإذا أرادوا بناء رَبع أو دار ملكية أو قيسارية استحضر المهندس وفُوِّض إليه العمل، فيعمد إلى العرصة وهي تل تراب أو نحوه فيقسمها في ذهنه ويرتبها بحسب ما يقترح عليه، ثم يعمد إلى جزءٍ جزءٍ من تلك العرصة فيعمره ويكمله بحيث ينتفع به على انفراده ويسكن، ثم يعمد إلى جزء آخر ولا يزال كذلك حتى تكمل الجملة بكمال الأجزاء من غير خلل ولا استدراك.

وأما المسناة فيسمونها الرزينة ولهم في بنائها إتقان حسن، وصفته أن يحفر الأساس حتى تظهر النداوة وثرير الماء، فحينئذ يوضع ملبن من خشب الجمَّيز أو نحوه على تلك الأرض الندية بعد ما تُمهَّد، ويكون عرضه نحو ثلثي ذراع وقطر حلقته نحو ذراعين مثل الذي يُجعل في قعر الآبار، ثم يُبنى عليه بالطوب والجير نحو قامتين فيصير بمنزلة التنور، فيأتي الغواصون وينزلون هذه البير، يحفرونها

وكلّما نبَع الماء نزحوهُ من الطين والرمل، ويحفرون أيضا تحت ذلك الملبن فكلما تخلخل ما تحته وثقل بما عليه من البناء نزل وكلما غاصوا عليه وحفروا تحته والبنّاء في أثناء ذلك يبني عليه ويرفعه، ولا يزال البنّاء يرفع والفاعل تحته يحفر وهو بثقله يغوص حتى يستقر على أرض جلدة ويصل إلى الجد الذي يعرفونه، فحينئذ ينتقلون إلى عمل آخر مثله على سمته وعلى بعد أربع أذرع منه أو نحوها، ولا يزالون يفعلون ذلك في جميع طول الأساس المفروض ثم يبنون الأساس كالعادة بعد ردم هذه الآبار، فترجع أوتادا راسية للبناء وعمدا تدعمه وتوثقه.

وأما حمّاماتهم فلم أشاهد في البلاد أتقن منها وصفا، ولا أتمّ حكمة ولا أحسن منظرا ومخبرا أما أوّلا، فإنّ أحواضها يسع الواحد منها ما بين روايتين إلى أربع روايا وأكثر من ذلك، يصب فيه ميزابان ثجّاجان حارٌ وبارد وقبل ذلك يصبّان في حوضٍ صغير جدا مرتفع،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015