لهم من الخشب والخِرق وغيرِه، واستقرَيت جميع المواضع المحكمة فلم أجد فيها رأس فرسٍ ولا جمل ولا حمار، فبقي ذلك في نفسي، فسألت مشايخ بوصير فبادروا إلى إخباري بأنّهم قد تقدمت فكرتهم في ذلك واستقراؤهم إيّاه فلم يجدوه، وأكثر توابيتهم من خشب الجميَّز وفيه القويّ الصلبُ ومنه ما صار في درجة الرماد، وخبّرني قضاةُ بوصير بعجائب منها أنهم وجدوا ناووسا من حجر ففضُّوه فلقوا فيه ناووسا، ففضوه فوجدوا فيه تابوتا، ففتحوه فوجدوا فيه سحلية وهي سام أبرص مكفنة محتاطاً عليها معنيا بها، ووجدنا عند بوصير أهراما كثيرة منها هرم قد انهدم وبقي قلبه فقِسناهُ من مبدأ أساسه فوجدناه لا يتقاصرُ عن هرمي الجيزة.
وجميع ما حكيناه من أحوال مدافنهم ببوصير يوجد نحوه وأمثاله بعين شمس وبالبرابي وبغيرها.
واعلم أن الأهرام لم أجد لها ذِكراً في التوراة ولا في غيرها ولا رأيت أرسطو ذكرها، وإنما قال في أثناء قوله في السياسة: كما كان من سنَّة المصريين البناء، وللإسكندر الأفروديسي تاريخٌ صغيرٌ ذكر فيه اليهود والمجوس والصابئة وتعرّض بشيءٍ من أخبار القبط، وأما جالينوس فرأيته ذكر الأهرام في موضعٍ واحد وجعله
من هِرَم الشيخوخة، وقال في كتابِ شرح الأهوية والبلدان لبقراط: فمن أراد أن يتعلم صناعة النجوم فعليه بمصر، فإنّ أهلها قد عنوا بذلك عناية تامة، هذا معنى قوله، وقال في كتاب عمل التشريح: فمن أراد أن يشاهد كيفية تركيب العظام وهيئتها، فينبغي له أن يقصد الإسكندرية ويشاهد موتى القدماء.
واعلم أن القبط بمصر نظير النبط بالعراق، ومَنف نظيرةُ بابل، والروم والأقاصر بمصر نظير الفرس والأكاسرة بالعراق، والإسكندرية نظير المدائن، والفسطاط نظير بغداد، والجميع اليوم بعد الإسلام وتشمله دعوة بني العباس.
الفصل الخامس
فيما شوهد بها من غرائب الأبنية والسفن
وأما أبنيتهم ففيها هندسة بارعة وترتيب في الغاية، حتى أنهم قلما يتركون مكانا غفلا خاليا عن مصلحة ودورهم أفيح وغالب سكناهم في الأعالي ويجعلون منافذ منازلهم تلقاء الشمال والرياح الطيبة، وقلما تجد منزلا إلّا وتجد فيه باذاهيج وباذاهيجاتهم كبار واسطة للريح