القنَّب وقد تقمَّطت فأزالوها مع كثرتها فوجدوا تحتها عِجلا صحيحا قد أُحكم تقميطه، وحدّثني آخر أنهم وجدوا صقراً لم تسقط منه ريشة، وحكى لي مثل ذلك عن هرٍّ وعن عصفور وعن خنفساء وغير ذلك مما يطول شرحه ويهجن ذكره.
وحكى لي الأمير الصادق أنه كان بقوص، فجاء إليه من يبحثُ عن المطالب فذكروا له أنهم انخسفت بهم هُوَّة، موهمة أنّ فيها دفيناً، فخرج معهم بجماعةٍ متسلّحين وحفروا فوجدوا زيراً كبيراً مُوثق الرأس بالجصّ، ففتحوه بعد الجهد فوجدوا فيه كالأصابع مكفنا بخرق فحلُّوه فوجدوا تحتها صيرا وهو سمكٌ صغار وقد صار كالهباء إذا نفخ طار، فنقلوا الزير إلى مدينة قوص بين يدي الوالي واجتمع عليه نحو مائة رجل فحلوا الجميع حتى أتوا على آخره وهو كله صير مكفن ليس فيه سوى ذلك.
ورأيت أنا بعد ذلك في مدافنهم ببوصير من العجائب ما لا يفي به هذا الكتاب، فمن ذلك أنّي وجدت في هذه المدافن مغائر تحت الأرض مبنية بإتقان وفيها رِمَمٌ مكفنَّة، وفي كلِّ مغارة عددٌ لا يُحصى، ومن المغائر ما هو مملوء برمم الكلاب، ومنها ما هو مملوء برمم البقر، ومنها ما فيه رِمم السنانير والجميع مكفَّنٌ بِخرقِ القنَّب، ورأيت شيئا من عظام بني آدم وقد تمشق حتى صار كالليف الأبيض لقِدمه، ومع ذلك فأكثر الرمم التي رأيتها صلبة متماسكة جدا يظهر عليها من الطراءة أكثر من رمم الهالكين سنة سبع وتسعين وخمسمائة التي ذكرها آخر كتابنا هذا، وسيما ما كان من الرِّمم القديمة قد انصبغ بالزفت والقطران فأنك تجدها في لون الحديد وصلابته ورزانته، ورأيت من جماجم البقر ما شاء الله وكذلك جماجم
الغنم وفرَّقت بين رؤوس المعز والضأن وبين رؤوس البقر والثيران، ووجدت لحم البقر قد التصق بالأكفان حتى صار قطعة واحدة حمراء تقرب إلى السواد، ويخرج العَظم من تحتها أبيض وبعض العظام أحمر وبعضها أسود، وكذلك في عظام الآدمي، ولا شكّ في أنّ الأكفان كانت تُبلُّ بالصبر والقطران وتُشرَّبُ به ثم يكفن بها فلذلك يُصبغ اللحم ويبقيه وما نال منها العظم صبغته فاحمرّ واسودّ، ووجدت في عدة مواضع تلالاً من رمم الكلاب لعله يكون في جملتها مائة ألف رأس كلب أو يزيد وذلك مما يثير الباحثين عن المطالب، فإنّ جماعة يجعلون مكاسبهم من هذه القبور وأخذِ ما سنحَ