من سنَّتِهم أن يدفنوا مع الرجل آلته وماله.
وسمعت أن طوائف من الحبشة هذه سنَّتهم يتطيّرون بمتاع الميت أن يَمّسوه أو
يتصرفوا فيه وكان لنا قريب دخل الحبشة واكتسب مالاً منه مائتا أوقية من الذهب، وأنه لما مات أكرهوا رجلا مصريا كان معه على أخذ ماله فأخذه ممتنّاً عليهم.
وقد كان من سنتهم، والله أعلم، أن يُجعل مع الميت شيء من الذهب، فخبرني بعض قضاة بوصير وهي مجاورةٌ لمدافنهم أنهم نبشوا ثلاثة قبور فوجدوا على كل ميِّتٍ قشرا رفيعا من الذهب لا يكاد يجتمع فيه، وفي كل منها سبيكة من الذهب فجمع السبائك الثلاث فكان وزنها تسعة مثاقيل، والحكايات في ذلك أوسع من أن يحصرها هذا الكتاب.
وأما ما يوجد في أجوافهم وأدمغتهم من الشيء الذي يسمونه موميا فكثير جدا، يجلبه أهل الريف إلى المدينة ويُباع بالشيء النزر ولقد اشتريت ثلاثة رؤوس مملوءة منه بنصف درهم مصري.
وأراني بائعه جولقا مملوءا من ذلك فيه الصدر والبطن وحشوه من هذا الموميا، ورأيته قد داخل العظام وتشربته وسرى فيها حتى صارت كأنها جزء منه، ورأيت أيضا على قحف الرأس أثر ثوب الكفن وأثر النساجة قد أنتقش فيه كما يرسم على الشمع إذا ختمت به على ثوب وهذا المومياء هو أسود كالقار، ورأيته إذا اشتد عليه حر الصيف يجري ويلصق بما يدنو منه، وإذا طرح على الجمر غلي ودخن منه رائحة القار أو الزفت، والغالب أنه زفت ومر.
وأما الموميا بالحقيقي فشيء ينحدر من رؤوس الجبال مع المياه، ثم يجمد كالقار ويفوح منه رائحة زفت مخلوط بمر، وقال جالينوس: الموميا يخرج من العيون كالقار والنفط، وقال غيره: هو صنف من القار ويسمى حيض الجبال، وهذا الذي يوجد في تجاويف الموتى بمصر لا يبعد عن طباع الموميا وأن يستعمل بدله إذا تعذر.
ومن أعجب ما يوجد في مدافنهم أصناف الحيوان من الطير والوحش والحشرات، وقد كفن الواحد منها في كذا وكذا ثوبا وهو محتاط عليه محتفظ به، وخبرني الثقة أنهم وجدوا بيتا تحت الأرض محكما ففتحوه فوجدوا فيه لفائف ثياب