ورأيت بالإسكندرية مسلّتين على سيف البحر في وسط العمارة أكبر من هذه الصغار وأصغر من العظيمتين.
وأما البرابي بالصعيد، فالحكاية من عِظَمها وإتقان صنعتها، وإحكام سورها وعجائب ما فيها من الأشكال والنقوش والتصاوير والخطوط، مع إحكام البناء وجفاء الآلات والأحجار، ممّا يفوت الحصر وهي من الشهرة بحيث تغني عن الإطالة في الصفة.
ورأيت بالإسكندرية عمود السواري، وهو عمود أحمر منقَّط من الحجر المانع الصوان، عظيم الغِلَظ جدّاً، شاهق الطول، لا يبعد أن يكون طوله سبعين ذراعاً وقطره خمس أذرع، وتحته قاعدة عظيمة تناسبه، وعلى رأسه قاعدة أخرى عظيمة وارتفاعها عليه بهندامٍ يفتقرُ إلى قوّةٍ في العلم برفع الأثقال، وتمهّرٍ في الهندسة العملية، وخبرني بعض الثقات أنه قاس دوره فكان خمسا وسبعين شبرا بالشبر التام.
ثم أني رأيت بشاطىء البحر مما يلي سور المدينة أكثر من أربعمائة عمود مكسورة أنصافا وأثلاثا، حجرها من جنس حجر عمود السواري على الثلث منه أو الربع، وزعم أهل الإسكندرية قاطبة أنها كانت منتصبةً حول عمود السواري، وأنّ بعض وُلاةِ الإسكندرية واسمه قراجا، كان والياً عن يوسف ابن أيوب، فرأى هدم هذه السواري وتكسيرها وألقاها بشاطىء البحر، زعم أنّ ذلك يكسر سورة الموج عن سور المدينة، أو يمنع مراكب العدوِّ أن تستندَ إليه، وهذا من عبث الوِلدان
ومِن فِعلِ مَن لا يُفرِّق بين المصلحة والمفسدة.
ورأيتُ أيضاً حول عمود السواري من هذه الأعمدة، بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور ويظهر مِن حولها أنها كانت مسقوفة والأعمدة تحمل السقف، وعمود السواري عليه قبة هو حاملها وأرى أنه الرواق الذي كان يدرس فيه أرسوطاليس وشِيعته من بَعده، وأنه دارُ العلم التي بناها الإسكندر، حين بنى مدينته وفيها كانت خزانة الكتب التي أحرقها عمر بن العاص بإذن عمر رضي الله عنه.
وأما المنارةُ فحالُها مشهور يُغني عن وصفها وذَكرَ ذو العناية، أن طولها مائتا ذراع وخمسون ذراعا.