وهو حسن الصورة مقبولها، عليه مسحة بهاء
وجمال كأنه يضحك تبسما، وسألني بعض الفضلاء: ما أعجب ما رأيت؟، فقلت: تناسب وجهِ أبي الهول فأنّ أعضاء وجهه بالأنف والعين والأذن متناسبة كما تصنع الطبيعة الصور متناسبة، فإنّ أنف الطفل مثلا مناسبٌ له وهو حسن به حتى لو كان ذلك الأنف لرجل كان مشوّهاً به، وكذلك لو كان أنف الرجل للصبي لتشوهت صورته، وعلى هذا سائر الأعضاء فكلّ عضوٍ ينبغي أن يكون على مقدارٍ وهيئة، بالقياس إلى تلك الصورة وعلى نسبتها فإن لم توجد المناسبة تشوهت الصورة، والعجَب مِن مصوِّره، كيف قدر أن يحفظ نظام التناسب في الأعضاء مع عظَمِها، وأنه ليس في أعمال الطبيعة ما يحاكيه وينقله.
ومن ذلك الآثار التي بعين شمس، وهي مدينة صغيرة يشاهد سورها مُحدِقا بها مهدوما، ويظهر من أمرها أنها قد كانت بيت عبادة، وفيها من الأصنام الهائلة العظيمة الشكل من نحيت الحجارة يكون طول الصنم زهاء ثلاثين ذراعا، وأعضاؤه على تلك النسبة من العِظَم، وقد كان بعض هذه الأصنام قائما على قواعد، وبعضها قاعداً بنصباتٍ عجيبة، وإتقانات محكمة، وباب المدينة موجود إلى اليوم، وعلى معظم تلك الحجارة وتصاوير الإنسان وغيره من الحيوان، كتابات كثيرة بالقلم المجهول، وقلّما يُرى حجرٌ غفلا من كتابة أو نقش أو صورة، وفي هذه المدينة المسلَّتان المشهورتان، وتسميان مسلتي فرعون، وصفة المسلة أنّ قاعدةً مربعةً طولها عشر أذرع في مِثلها عرضاً في نحوها سمكاً، قد وُضعت على أساس ثابتٍ في الأرض ثم أُقيم عليها عمود مربّع، يَنيفُ طوله على مائة ذراع، يبتدىء من قاعدةٍ لعلَّ قُطرها خمس أذرع وينتهي إلى نقطة، وقد لبس رأسها بقلنسوة نحاس إلى ثلاث أذرع منها كالقمع وقد تزنجر بالمطر، وبطول المدة أخضرَّ وسالَ مِن خضرته على بسيط المسلّة، والمسلة كلّها عليها كتابات بذلك القلم، ورأيتُ إحدى المسلتين وقد خرّت وأنصدعت من نِصفها لعِظم الثقل،
وأخذ النحاس من رأسها، ثم أن حولها من المسال شيئا كثيرا لا يحصى عددها، مقاديرها على نصف تلك العظمى أو ثلثها، وقلما تجد في هذه المسالِّ الصغار ما هو قطعة واحدة، بل فصوصا بعضها على بعض، وقد تهدَّم أكثرها وإنما بقيت قواعدها.