أخذ ذُبح في مكانه وقطِّعت أطرافه ولا يستقصى قطع ذنبه، ويشق جوفه ويخرج حشوه إلّا كشيته وكلاه. ثم يحشى مِلحا ويُخاط ويعلّق في الظِّل حتى يجفّ، ويرفع ويُسقى من كلاه ومتنه وشحمه وسرته من مثقال إلى ثلاثة مثاقيل بماءِ العسل، أو بمطبوخ أو بصفرة بيض نيمرشت وحده أو مع بزر جرجير وخصى ديوك مجفف مدقوق، وقد يفعل ملحه ذلك إذا خلط بالأدوية البائية، وقد يركب مع غيره من الأدوية إلّا أن استعماله مفردا أقوى له.
ومن ذلك فريس البحر وهذه توجد بأسافل الأرض وخاصة ببحر دمياط، وهو حيوانٌ عظيمُ الصورة، هائل المنظر شديد البأس، يتبع المراكب فيغرقها ويهلك من ظفر به منها، وهو بالجاموس أشبه منه بالفرس لكنه ليس له قرن وفي صوته صهلة تشبه صهيل الفرس بل البغل، وهو عظيم الهيئة، هريت الأشداق، حديد الأنياب، عريض الكلكل، منتفخ الجوف، قصير الأرجل، شديد الوثب، قوي الدفع،
مهيب مخوف الغائلة، وخبرني من اصطادها مرات وشقها وكشف عن أعضائها الباطنة والظاهرة أنه خنزير كبير وأن أعضاءها الباطنة والظاهرة، لا تغادر من صورة الخنزير شيئا إلّا في عظم الخلقة، ورأيت في كتاب ينطواليس في الحيوان ما يعضد ذلك وهذه صورته، قال: خنزيرة الماء تكون في بحر مصر وهي تكون في عظم الفيل ورأسها يشبه رأس البغل ولها شبه خفِّ الجمل، قال: وشحم متنها إذا أُذيب ولتّ بسويق وشربته امرأة أسمَنَها حتى تحوز المقدار، وكانت واحدة ببحر دمياط قد ضربت على المراكب تغرقها وصار المسافر في تلك الجهة مُغرّرا، وضربت أخرى بجهة أخرى على الجواميس والبقر وبني آدم تقتلهم وتفسد الحرث والنسل وأعمل الناس في قتلها كل حيلة من نصب الحبائل الوثيقة وحشد الرجال بأصناف السلاح وغير ذلك فلم يجد شيئا، فاستدعى بنفر من المريس - صنف من السودان - زعموا أنهم يحسنون صيدها وأنها كثيرة عندهم ومعهم مزاريق فتوجهوا نحوها فقتلوها في أقرب وقت وبأهون سعي، وأتوا بها إلى القاهرة فشاهدتها فوجدت جلدها أسود أجرد ثخيناً وطولها من رأسها إلى ذنبها عشرة خطوات معتدلات، وهي في غِلظ الجاموس نحو ثلاث مرات، وكذلك رقبتها ورأسها وفي مقدّم فمها اثنا عشر ناباً ستة من فوق وستة من أسفل، المتطرفة منها نصف ذراع زائد والمتوسط أنقص بقليل، وبعد الأنياب أربعة صفوف من الأسنان على خطوط مستقيمة في طول