وسار المعتضد إلى الموصل يريد قلعة ماردين "، وكان بها حمدان، فلما بلغه قصد المعتضد إياه خرج منها هاربا، وترك بها ابنه، فنازلها المعتضد وقاتله يومه كله. " فلما " كان من الغد، ركب المعتضد وصعد إلى باب القلعه وصاح: يابن حمدان!! فأجابه، فقال: افتح الباب. ففتحه فقعد المعتضد في الباب، وأمر بنقل ما في القلعة وهدمها.
ثم سير خلف ابن حمدان وطلبه أشدّ الطلب، وأخذ ماله بالقلعة. ثم إنه ظفر به بعد عوده إلى بغداد.
وفي عوده قصد الحسنية وبها رجل كردي يقال له شداد في جيش كثيف نحو العشرة آلاف فارس، وكان له قلعة " في المدينة "، فظفر به المعتضد، وهدم قلعته ".
وذكر الهمذاني في تاريخه أنه هدم قلعته، ثم عفا عنه وأقر على ما تغلب عليه.
وكان أهل الموصل وديار بكر قد عمهم الغلاء، فحمل إليهم حمدان من الأقوات ما أرخص عليهم الأسعار.
وأنفق على سور ملطية سبعين ألف دينار، ووقف عليهم أربع مائة فرس.
وتوفي - " رحمه الله " - في سنة اثنتين وثمانين ومائتين. وولي ولجه أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان وقلده المقتدر بالله الموصل وديار ربيعة والدينور والجبل والكوفة وطريق مكة. فاستخلف ابنه سيف الدولة علياً على الجبل وله اثنتا عشرة سنة، وفيه يقول المتنبي:
يابْنَ المُعَفّرِ في نَجْدٍ فوارسَها ... بسيفه وله كوفان والحَرَمُ
وكان أبو الهيجاء قد أعان الوزير أبا الحسن عليّ بن عيسى في مصادرته بعشرين ألف دينار، فلما أعادها إليه حلف أبو الهيجاء أنها لا ترجع إلى ملكه، ففرقت في الفقراء وغيرهم.
وخلع أبو الهيجاء المقتدر بالله وبايع أخاه القاهر، فاجتمعت الرجالة وقتلوا نازوكا - صاحب الشرطة - فبادر أبو الهيجاء ليخرج، فقال له القاهر: تسلمني يا أبا الهيجاء؟!! قد أخلته الحمية وقال: لا، وتربة حمدان لا أسلمتك أو أقتل دونك!!. ثم إنه تبع الخدم، فرموه بالنشاب، فخلع جبته وجرد سيفه، وهجم عليهم، فأجفلوا بين يديه، ثم رموه بالسهام إلى أن أثخنوه بالجراح، وهو ينادي: يا آل تغلب؟! أين الدهماء؟!.
ثم سقط من السهام، فقطعوا يده، وحزوا رأسه.
وكان المقتدر يحبه لشجاعته، فكتب له أمانا بخطه، وقال لبعض حجابه: ويلك؟! بادر إليه وأدركه لئلا يتم عليه أمر. فلما حصل ببعض الطريق تلقاه خادم برأسه، فحزن عليه المقتدر كثيرا.
وقيل عنه: إنه كان ليلة مع بعض جواريه في خلوة في بعض أسفاره. فسمع زئير الأسد عند باب مضربة، فجرد سيفه، وخرج إليه فقتله، وعاد برأسه إلى الجارية، ولم تفر شهوته، ولا كلت آلته.
وكان قتله - رحمه الله - في سنة سبع عشرة وثلاث مائة.
وردّ المقتدر بالله الموصل وديار بكر إلى أخيه في السنة المذكورة. ثمّ. نقلته من التاريخ المظفري.
وكان ولده نائبا عنه بماردين، فلما توفي وليها ولده ناصر الدولة أبو محمد الحسن، ولم تزل في يده إلى أن قبضوا عليه أولاده سنة ست وخمسين وثلاثمائة.
وكان ينوب عنه بماردين والرحبة ابنه حمدان، فلما قبض عليه أبو تغلب في سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. وحمله إلى قلعة كواشي وتوفي بها، وكان قد أعطى ماردين والرحبة لولده حمدان. فلم تزل في يد حمدان ابن ناصر الدولة إلى أن دخلت سنة إحدى وستين وثلاثمائة في شوال منها، ملكها الغنضنفر، أبو تغلب ابن حمدان، سلمها إليه نائب أخيه حمدان. فأخذ أبو تغلب ما كان لأخيه من أهل، ومال، وسلاح، وأثاث، وحمله إلى الموصل.
ولم تزل ماردين بيده، ويد نوابه، إلى أن ملك عضد الدولة الموصل في سنة سبع وستين وثلاث مائة. وملك ديار ربيعة في سنة ثمان وستين وثلاثمائة. ولم تزل في يد عضد الدولة، ويد نوابه، إلى أن توفي في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة.
ذكر ابن الأثير في تاريخه في تراجم ماردين وآمد: أن باد بن دوستك الكردي الحميدي - خال بني مروان - ملك ديار بكر بعد عضد الدولة. ولم يزل مالكها إلى سنة ثمانين وثلاثمائة. وتوفي وانتقلت إلى بني مروان.
قال أحمد بن يوسف بن عليّ المعروف بابن الأزرق - صاحب تاريخ ميافارقين -: إن ديار بمر بعد عضد الدولة انتقلت إلى ممهد الدولة أبي منصور بن مروان، وأضرب عن ذكر باد.
وذكر الهمذاني في التذييل: أن ممهد الدولة لم يملك ديار بكر سوى سنة واحدة.