وتوفي الملك السعيد نجم الدين إيلغازي في سادس عشر صفر، " سنة تسع وخمسين " وقيل: في ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وستمائة.

وكانت وفاته وتولية ولده في السنة الخالية - نقله الله إلى رضوانه ووفر حظّه من عفرانه - من وباء وقع في أهل القلعة، فأهلك أكثرهم.

ووصل الخبر بوفاته إلى التتر من رجل يسمى أحمد بن الفارس " علي " الشافصني رمى بنفسه من القلعة إليهم. ولما اتصل بهم وفاته، بعثوا رسولا إلى ولده الملك المظفر، وطلبوا منه الدخول في الطاعة، فبعث إليهم عز الدين يوسف بن الشماع ليتعرف منهم ما أضمرته له نفوسهم. فلما اجتمع بمقدَّميهم وهما: قُطُز نوين وجرمون، قالا له: إن بين الملك المظفر قرا أرسلان وبين إيل خان، يعنون هولاكو، وعدا أن والده متى مات، وتسلم الملك بعده، دخل في طاعته.

فقال لهم عز الدين: هذا صحيح، لكن أنتم أخربتم بلاده وقلتتم رعيته، فبأي شيء يدخل في طاعته حتى يداري عنه؟!! فقالا: قد علمنا ذلك، ونحن نضمن له أن إيل خان متى اتصل به خبر وفاة الملك السعيد، وأن ولده الملك المظفر دخل تحت طاعته، على ما كان تقرر بينهما، عوَّضه عما خرب من بلاده بلادا عامرة مما جاوره.

فلما عاد عز الدين إلى الملك المظفر، وأخبره بما دار بينه وبين مقدَّمي التتر ردَّه إليهم برسالة مضمونها: إن أردتم أن اٍيِّر إلى إيل خان فابعثا إليَّ رهائن من جهتكما تكون عندي إلى أن يُرجِعُوا رسُلي.

وترددت الرسل " بينه و " بينهم إلى أن استقر " الحال " بينهم أن بعث قطز نوين ولده، وبعث جرمون ابن أخيه، فلما صعدا إليه، بعث ور الدين محمود بن كاجار - أخو الملك السعيد لأمه - وأصحبه قطز نوين من جهته سابق الدين بلبان، فوصلا إلى هولاكو، وكان بالمراغة، فأديا الرسالة إليه، وكان مضمونها ما تقدم، فأجاب إلى ما ضمناه قطز نوين وجرمون وكتب لهم بذلك فرامين، وبعث بها مع قصادٍ من جهته، وأبقى الرسل عنده، وأمرهما بالرحيل عن ماردين، فرحلا في شهر رجب من سنة تسع " وخمسين وست مائة ".

ثم بعث هولاكو الرسولين وأصحبهم كوهداي - " من أكابر أمرائه ومقدميه " - فوصلوا إلى ماردين وانتظم الصلح والهدنة بين الملك المظفر والتتر، واسلم " بعد ذلك المقدمُ " كوهداي على يد الملك المظفر فزوّجه أخته " من أبيه ".

ذكر توجُّه الملك المظفر إلى التتر إلى عند هولاكو

ثم توجه الملك المظفر قرا أرسلان - صاحب ماردين - في شهر رمضان إلى هولاكو، واستصحب معه هدية سنية من تحف ادخرها أبوه وجدوده، من جملتها باطيّة مجوهرة، قيمتها على ما ذكر، أربعة وثمانون ألف دينار، فاجمع به بصحرا دريه بنهر يقال له: ما الباغ - من أعمال سلماس - فأقبل عليه وأكرمه، ثم قال له: بلغني أن أولاد صاحب الموصل هربوا من البلاد إلى مصر، وأنا أعلم أن أصحابهم كانوا السبب في خروجهم، فاترك أصحابك الذين وصلوا معك عندي، فإني لا آمنهم أن يحرفوك عني، ويرغِّبوك في النزوح عن بلادك إلى مصر، وإذا دخلتُ إلى البلاد استصحبتُهم معي، فأجابه إلى ذلك.

ثم انفصل عنه عائدا إلى بلده، فلما كان في اثناء الطريق لحقته رسل هولاكو يأمره بالعود، فعاد وفرائصه ترجفُ خوفا، والنوم لا يطرق له طرفا، فلما اجتمع به قال له: إن أصحابك أخبروني أن لك باطنا مع صاحب مصر، وقد رأيت أن يكون عندك من جهتي من يمنعك من التسحب إليه. ثم عيّن له أميرا يُدعى أحمد بٌغا، وردَّه إلى ماردين وزاده نصيبين والخابور. وأمره بهدم شراريف القلعة. ولما فارقه ضرب هولاكو رقاب الجماعة، وكانت عدَّتهم سبعين نفسا منهم: الملك المنصور ناصر الدين أرتق ابن الملك السعيد ونور الدين محمد وأسد الدين البختي وحسام الدين عزيز البختي وفخر الدين بن حاجري وعلاء الدين - والي القلعة -، وعلم الدين بن جندر. ولم يكن لأحد منهم ذنبٌ، وإنما قصد بقتلهم أن يحُصَّ جناح الملك المظفر.

واستمر الملك المظفر في الملك إلى الوقت الذي وضعنا فيه هذا الكتاب، وهو سنة تسع وسبعين وستمائة. تم كان الفراغ منه بكرة نهار السبت خامس عشري رجب في سنة تسع وثمانين وسبع مائة على يد أضعف العباد الراجي عفو ربه وغفرانه سليمان بن غازي بن محمد الأيوبي. رحم الله من ترحّم عليهم، ودعا لهم المغفرة ولساير المسلمين. آمين يا ربَّ العالمين. والحمد لله والصلاة على سيد المرسلين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015