وذكر ابن الأزرق - صاحب تاريخ ميافارقين -: أن ممهد الدولة أقام إلى سنة إحدى وأربعمائة وملك نصر الدولة آمد وديار بكر، ولم تزل في يده إلى أن توفي في سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة. وقد استوفينا حديثه في حديث آمد وميافارقين.
وملك بعد ولده نظام الدين. واستمرت في يد بني مروان إلى أن نفذ السلطان ملكشاه فخر الدولة محمد بن جهير في سنة سبع وسبعين. واستولى على ديار بكر في سنة ثمان وسبعين. ولم أعثر لها بعد ذلك على ذكر إلا في تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة ثمان وتسعين وأربعمائة في وفاة سكمان بن أرتق يذكر أن بركيارق ملك بعد وفاة والده السلطان ملكشاه، ووهب ماردين لمُغنِّ يُقال له لجا كسرى، طلب منه مارِدِبن وأعمالها، فأعطاها إياها.
وكان اتفق أن وقعت حرب بين كربوقا - صاحب الموصل - وبين صاحب آمد. فاستنجد صاحب آمد عليه بسكمان. وكان ياقوتي ابن أُخت سقمان معه. فلما التقيا أسر كربوقا لياقوتي فيمن أسر في الوقعة المذكورة، وحمله إلى قلعة ماردين لقربها من مكان الوقعة، وأودعه للمغني الذي وهبه مارِدِين. فسجنه بها. فمضت أمُّ ياقوتي إلى كربوقا - صاحب الموصل - وسألته في ولدها، فأطلقه لها، وسيّر إلى المُغني يأمره بالإفراج عنه. فلما أفرج عنه سأله أن يكون مقامه عنده بماردين، وكانت ماردين قد أعجبت ياقوتي فطمع في مُلكها والاستيلاء عليها.
وكان من حول ماردين من الأكراد قد طمعوا في صاحبها - المغني -، فأغاروا على بلد ماردين وعاثوا بها، وتكررت غاراتهم. فقال ياقوتي لصاحب ماردين: إنه قد صار بيننا مودة وصداقة، وأرى هؤلاء الأكراد قد كثر عيثهم في البلاد، وقد عزمت على ردعهم وعمارة بلدك، لما صار بيننا من الصحبة. واستأذنه في إغارته، وأن يكون مقيما ببلده، فأذن له. فجعل يركب بمن اتفق معه من " باب " خلاط ويغير على نحو بغداد، فكان يركب معه للغارة بعض أجناد القلعة طلبا للكسب، وهو يكرمهم، ويوفر نصيبهم، ولا يعرض لهم، فأمنوا إليه. فكانوا في كل غارة يزيدون إلى بعض الغارات نهض معه أكثر من بالقلعة. فلما عادوا " من الغارة " أمر بقبضهم وتقييدهم، وسبقّهم إلى القلعة ونادى من بها من أهلهم: إن فتحتم الباب، وإلا ضربت أعناق من معي؟! فامتنعوا. فقتل واحدا منهم، ففُتح له الباب، وسُلِّمت القلعة إليه، فتسلمها.
ثم إنه جمع جمعا، وسار إلى نصيبين، فأغار على بلد جزيرة ابن عمر، وهي يومئذ لحكرمش، فلما عاد أصحابه بالغنيمة، أتاهم جكرمش،. وكان ياقوتي قد لحقه مرض منعه عن الركوب ولبس السلاح، فلما رأى جكرمش طلب فرسه ليركب، فقُرِّب إليه وحمل إلى أن ركب، والتقى الجمعان، فأصاب ياقوتي سهم سقط منه. فأتاه جكرمش وهو يجود بنفسه فبكى، وقال له: ما حملك على ما صنعت يا ياقوتي؟! فلم يُجبه، ومات. فمضت زوجة أُرتق إلى ولدها سكمان وجمعت التركمان وطلبت بثأر ابن ولدها فحصر سكمان نصيبين وهي لجكرمش، فسيّر جكرمش إلى سكمان مالا كثيرا سرا فأخذه، ورضي به. وقال لأم ياقوتي: إنه قُتل على يد العرب، ولا يُعرف قاتله.
وبعد ياقوتي ملك ماردين أخوه عليٌّ وصار في طاعة جكرمش واستخلف بها أميرا اسمه عيل أيضا. فأرسل عليٌّ هذا إلى سكمان يقول له: إن ابن أخيك عليا يريد أن يُسلم ماردين إلى جكرمش، فسار سكمان بنفسه وتسلمها، فجاء إليه عليٌّ - ابن أخيه - وطلب إعادة القلعة إليه، فقال له: إنما أخذتُها لئلا يخرب البيت. وأقطعه جبل جور ونقله إليه.
وكان جكرمش يدفع إلى علي كل سنة عشرين ألف دينار. فلما أخذ عمه سكمان ماردين منه، أرسل علي إلى جكرمش يطلب منه ما كان يحمله إليه، فقال: إنما كنت أُعطيك احتراما لماردين وخوفا من مجاورتك، والآن فاصنع ما أنت صانع.
وتوفي سكمان سنة ثمان وتسعين وأربعمائة.
فهذا دليل على أن ياقوتي ملكها عند ملك بكياروق بعد وفاة صاحبها، إما في سنة سبع أو ثمان وثمانين. ولم نقدر على تحقيق اليوم بعينه.
فلما مات سكمان ملك بعده ولده نجم الدين إيلغازي بن أُرتق وملك مدينة حلب. فكان يتردد إلى الشام، وإلى ماردين وإلى ميافارقين إلى أن توفي في سنة ست عشرة وخمس مائة بميافارقين.
وملك بعده ولده الأمير حسام الدين تمرتاش، وقام بسياستها بعد أبيه أحسن قيام. واتفق هو وعماد الدين زنكي ابن أتابك وصار يدا واحدة. وملك عماد الدين الصَّور وأعطاها لحسام الدين.