وكان هذا - حسام الدين - " نعمَ " الرجلُ، حسن السيرة كريما، جوادا، لا يخلو بابه ممن يستميحه، وهو من بيت قديم، يقال له بيت طُغان أرسلان ويعرفون ببيت الأحدب، وكان لهم بدليس مع غيرها من أيام السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي. فأخذ بكتمر - صاحب خِلاط - منهم بدليس، " أخذها: من عمِّ هذا حسام الدين لموافقته للملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب.

وبقيت أرزن بيد هذا - حسام الدين - إلى أن أخذها شهاب الدين غازي منه. ولكل أول آخر، فسبحان من لا له أول ولا آخر " لبقائه ".

ولم تزل في يد نواب شهاب الدين غازي إلى أن توفي في رجب من سنة خمس وأربعين وستمائة.

وولي بعده ولده الملك الكامل ناصر الدين محمد فلم تزل في يده إلى أن استولت التتر على ميافارقين في سنة ثمان وسبعين وستمائة. فولوا ميافارقين شرف الدين عبد الله اللاوي - أمير آخور شهاب الدين غازي - وأضافوا إليه أرزن وهو متوليها إلى حين وضعنا هذا الكتاب وهو سنة تسع وسبعين وستمائة.

مارِدين

مدينة لها سور واحد ليس بمرتفع، يُحيط به خندق، وفي شماليها واد يُقال له: وادي الرجلة معمور بالبساتين والجنات الملتفة الأشجار.

وصور المدينة أنها مبنية علىالجبل، " والجبل " في نفسه كالدرج، بعضه دون بعض، كدرج الراقي، بحيث إن الدور تُشرف بعضها على بعض. وكذلك الأسواق، ولها قلعة على قُنة هذا الجبل مشرفة على البلد. ولارتفاع منازل البلد ومساكنه لا يعلو فوقه طيرٌ، ويُرى السحاب دونها. ولوعورة طرقها لا يمكن أن يصعد إليها إلا الواحد بعد الواحد. وبقلعتها نِقرٌ في أسفله عين ماء، عليه سوان تحمل الماء منه إلى أعلاه، فيتفرق في منازل القلعة، ويُجرى إليها في قساطل. ولسور المدينة ستة أبواب: 1 - باب السور - مفتوحٌ -.

2 - وباب قسيس - مفتوح -.

3 - " وباب " الشواط - مفتوحٌ -.

4 - والباب الجديد - مفتوحٌ -.

5 - وباب الزيتون - مغلقٌ -.

6 - وباب الخَمّارة - مغلقٌ -.

وفي داخل البلد ثلاثة أعين: 1 - عين الجوزة.

2 - وعين الحربيات.

3 - وعين الخرنوب.

وكان بظاهر البلد من شرقيه ساحة، فبنى فيها بنو أٌرتق سورا. وعمل الملك السعيد - صاحبها - بها جواسق وبساتين على عين تسمى عين التوتة. وسمّى ذلك الموضع الفردوس.

وبها من المدارس: 1 - مدرسة أنشأها نجم الدين إيلغازي.

2 - ومدرسة أنشأها نظام الدين ألبقش.

3 - ومدرسة أنشأها القاضي سديد الدين - بجوار الجامع -.

4 - ومدرسة عمارة خاتون - حنفيةٌ -.

5 - ومدرسة أنشأها الملك المنصور أُرتق. فلما مات عمل بها ولده الملك السعيد نجم الدين إيلغازي منبرا، وأقام بها الجمعة، لكثرة من انضوى إلى ماردين من الناس عند قصد التتر البلاد. يُدرَّسُ بها المذهبان.

وبها نحو مائة مسجد.

وبها حمامات ستة.

عرض هذه المدينة سبع وثلاثون درجة وثلثا درجة. وطولها ست وسبعون درجة وثلثا دقيقة.

ذكر فتحها ومن مَلَكَها

فتحها عياض بن غنم مع مافتح من الجزيرة وديار بكر ولم تزل بيد من ولي الجزيرة وديار بكر إلى سنة خمسين ومائتين. كانت بيد إسحاق بن كنداج، ولم تزل بيده إلى أن سار إلى نصيبين وملكها في سنة سبع وستين ومائتين، واستأمن إليه عبد الله بن عيسى ابن الضيخ وابن ميمون الفارقي وإسحاق بن خلف الفارقي، وسلموا إليه ميافارقين فملكها، ولم تزل بيده مع غيرها من البلاد إلى أن توفي في السنة المذكورة، ووليها ولده محمد بن إسحاق بن كنداج.

ثم إن أحمد بن عيسى بن الشيخ توصل إلى أن سرق ماردين، ولم تزل بيده إلى أن تغلب عليها حمدان بن حمدون بن الحارث التغلبي العدوي وعلى دارا ونصيبين وتحصن بقلعة ماردين.

وذكر ابن الأثير في تاريخه في حوادث سنة إحدى وثمانين ومائتين: " أن المعتضد خرج الخرجة الثانية إلى الموصل قاصدا لحمدان بن حمدون لما بلغه ميله إلى هارون الشاريّ وأنه دعا له. فلماّ بلغ الأعراب و " الأكراد " مسير المعتضد تحالفوا على أنهم يقتلون على دم واحد، واجتمعوا واعتدوا؛ فسار المعتضد إليهم " في خيله " " جريدة، وأوقع بهم، وقتل منهم وغرق في الزاب منهم خلق كثير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015