وفي سنة ثمان وعشرين بنى فيها الملك العزيز داراً إلى جانب الزردخاناه يستغرق وصفها الإطناب ويقصر عنه الإسهاب مساحتها ثلاثون ذراعاً في مثلها. ولما تسلم التتر القلعة في تاسع شهر ربيع الأوّل سنة ثمان وخمسين وستمائة عمدوا إلى خراب سورها وأحرقوا ما كان بها من الذخائر وازردخاناه والمجانيق ولمّا هزم الملك المظفر التتر على عين جالوت وهرب من كان منهم في حلب ثمّ عادوا إليها مرةً ثانية بعد مقتل الملك المظفر فرأوا في القلعة برجاً قد بُني للحمام بأمر الملك المظفّر قُطُز فأنكروا عليهم " بناءه " وأخربوا القلعة خراباً شنيعاً وما فيها من الدور والخزائن ولم يبقوا فيها مكاناً للسكنى وذلك في المحرّم سنة تسع وخمسين وبقي الآن سور " القلعة " القديمة يقال فيه قفل خربة.
كانت ملوك حلب تنزل هذه القصور أوّلاً وتسكنها دون القلعة.
منها قصر أنشأه مَسْلَمة بن عبد الملك بالناعور في سنة تسعين من الهجرة كان نازلاً به لمّا كان متولياً حلب من قِبَل أخيه الوليد ثمّ خرِب ولحقتُ منه برجاًً وأثر أبراج وقد تقدّم لنا أنّه بُني بحجارته باب قنّسرين.
ومنها قصر بناه سليمان بن عبد الملك بالحاضر في أيّام ولايته وكان بناؤه في غاية الحسن والزخرفة وإليه يُنسَب الحاضر السليمانيّ.
ولمّا ملك بنو العبّاس أمر السفّاح عبد الله بن محمّد بن علي بإخرابه فخربه.
وبنى عمر بن بن عبد العزيز بخُناصرة من الحَصّ قصراً كان كثيراً ما ينزل به.
ومنها قصر بناه صالح بن عليّ بن عبّاس بقرية بِطياس وكان أكثر مقامه به ومنه آثار باقية إلى الآن.
ومنها قصر بناه أولاد صالح يُعرَف بالدارَيْن خارج باب إنطاكية في وسطه قنطرة على نهر قُوَيْق كان عبد الملك بن صالح بناه وبنى حوله ربضاً ولم يتم فأتمّه سيما الطويل لمّا ولي حلب ورمّ ما كان استهدم من القصر وصيّر عليه باب حديد أخذه من قصر لبعض الهاشمييّن بحلب يُسمى قصر البنات. قلتُ: والقصر كان في الدرب المعروف بدرب البنات بحلب. وبشرقيّ الداريّن بستان يُعرف ببستان الدار من شماليّ باب قنّسرين وهو الآن وقف على المدرسة النوريّة الشافعية وهو منسوب إلى أحد الدارَيْن والدار الأخرى المشار إليها أنشأها أيضاً سيما الطويل فلأجل ذلك تُعرف هذه المحلّة بالدارين.
ومنها قصر بناه مرتضى الدولة داخل باب الجنان ومرتضى الدولة هذا هو أبو نصر منصور بن لؤلؤ أحد موالي بني حمدان وكان هذا القصر قد تداعى وخرب وبُني مكانه دور صغار للعامة. فلمّا كانت أيّام العزيز اشترى هذه الأماكن الأمير عَلَم الدين قيصر الظاهري وهدمها وبنى فيها قيساريّةَ وصهاريج للزيت وحوانيت ثمّ انتقلت بعده إلى ورثته ثمّ انتقل بعضها منها إلى مُلك ملك الأمراء بدر الدين الخزندار الظاهريّ في سنة اثنين وسبعين وستمائة.
ومنها قصر بناه سيف الدولة بن حمدان بالحلبة عظيماً وأجرى إليه نهر قُوَيْق وأطافه به. فلمّا حاصر حلب استولى إلى ما فيه وهدمه وسيأتي ذلك مستوفي في أمراء حلب تحتلّ بهذه القصور إلى أتّام بني مِرْداس فإنهم أوّل من نزلوا القلعة وسكنوها وجعلوها سنَّة لمن أتى بعدهم من الملوك.
الباب السابع في
ذكر ما ورد في فضل حلب