فلما كانت سنة ثلاث وسبعين اختلف محمد بن أبي الساج، وإسحاق بن كنداج، وكانا متفقين بالجزيرة. وذلك أن أبي الساج نافس إسحاق في الأعمال، وأراد التقدم، فامتنع عليه إسحاق. فكاتب ابن أبي الساج خمارويه وانضم إليه، وخطب له بنسرين. وسيّر ولده ديوداد رهينة، فسار خمارويه إلى الشام واجتمع بابن أبي الساج ببالس. ثم عبر ابن أبي الساج الفرات إلى الرقة فلقيه ابن كنداج وجرى بينهما حرب انهزم فيها اسحاق، واستولى محمد على الجزيرة والموصل ودعا لخمارويه بن أحمد، ثم خالف عليه، وقصد الشام فخرج خمارويه من مصر فالتقيا على ثنية العقاب فانهزم ابن أبي الساج فتبعه خمارويه إلى أن عبر الفرات، فعبر خلفهن وتبعه إلى أن وصل إلى بَلد وجهز خلفه إسحاق بن كنداج ومعه عسكر كثيف فالتقى به، ووقعت بينهما حرب عند قصر حرب من أعمال الموصل فأجلت عن هزيمة ابن كنداج. وسار حتى عبر الفرات وصار إلى خمارويه، وتبعه ابن أبي الساج إلى الرقة فأقام بها داعيا للمعتمد، فبعث خمارويه ابن كنداج في جيش فعبر الفرات، وأوقع بعسكر ابن أبي الساج فانهزم بين ديه إلى الموصل، ثم سار إلى بغداد.
واستولى ابن كنداج على ديار ربيعة وديار مضر وذلك في سنة ست وسبعين واستمر في الجزيرة إلى أن توفي في سنة ثمان وسبعين.
وولي ولده محمد الجزيرة واستمرت ولايته داعيا لخمارويه إلى أن مات مقتولا في سنة اثنتين وثمانين. فدعا محمد للمعتضد واستمر به إلى أن عزله عنها.
وولى فاتكا، وبقيت في يده إلى أن عزله في سنة ست وثمانين.
وولى ولده المكتفي الجزيرة، فسكن الرقة ولم تزل في يده إلى أن مات المعتضد سنة تسع وثمانين.
وبويع المكتفي فسار من الرقة إلى بغداد واستخلف على الجزيرة من يضبطها.
ثم ولى مؤنسا الخادم على الجزيرة والشام ومصر فولى ديار ربيعة الحسين بن حمدان إلى سنة ثلاث وثلاثمائة، فخرج عن طاعة المقتدر وكان مؤنس غائبا بمصر. فبعث إليه الوزير علي بن عيسى رائقا بجيش، فالتقيا، فكسره الحسين، فسار إليه مؤنس من مصر. فهرب من بين يديه وتبعه إلى جزيرة ابن عمر وتفرق عسكره عنه، فسار إليه عسكر مؤنس فقبض عليه وحمله إلى بغداد راكبا على جمل.
ثم ولى مؤنس الخادم بعض ديار ربيعة وصيفا البكتمريَّ واستمر بها إلى أن مات العباس بن عمرو - متولي ديار ربيعة - سنة خمس وثلاثمائة. فولى على الجزيرة وصيفا البكتمري فعجز عن ضبطها، فعُزل عنها.
وولى جني الصفواني، وبقي بها إلى أن عُزل عن ديار ربيعة في سبع وثلاثمائة.
وقلدها إبراهيم بن حمدان. وبقيت ديار مضر في يده.. ثم عزل إبراهيم في سنة ثمان.
وولي أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان ديار ربيعة والموصل والجبال وطريق مكة، ولم تزل في يده إلى أن قتله المقتدر سنة سبع عشرة وكان نائبه على ديار ربيعة والموصل ولده ناصر الدولة الحسن فأقره المقتدر عليها. ثم ولاه استقلالا ديار ربيعة وصرفه عن الموصل سنة ثمان عشرة، ومازالت ديار ربيعة في يد بني حمدان بعدُ. وسنذكر أخبارهم فيما نأتي به من أخبار البلاد على تفاصيلها.
وأما ديار مضر فإن آخر ما اتصل بعلمي من أخبار جني الصفواني فيما نقلته من تاريخ ابن الأثير قال: في سنة اثنتي عشرة ورد جني الصفواني بغداد من يدار مضر، وما أعلم هل عاد إليها أم لا!!.
وقرأت في كتاب عنوان السِّير لأبي " الحسن " محمد " بن " عبد الملك الهمذاني في ترجمة بني حمدان: وملك سيف الدولة أبو الحسن علي بن أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ديار مضر عند انصراف بدر الخرشني في سنة خمس وعشرين.
ونقلت من تاريخ ابن الأثير في حوادث سنة سبع وعشرين وثلاثمائة: استولى أبو بكر بن رائقٍ على الرَّاضي في سنة ثمان وعشرين. وسار إلى الجزيرة فولى فيها من قِبله طريفا " السبكي "، وأضاف إليه قنسرين، والعواصمز ثم خرج أبو بكر من الجزيرة وعبر الفرات إلى الشام. فوقعت بينه وبين الإخشيد حروب نكص فيها ابن رائق على عقبه إلى العراق فقتله ناصر الدولة بن حمدان في رجب سنة ثلاثين.