ذكر ديار مضر وقصبتها حران

وقلد الراضي ما كان بيد ابن رائق من البلاد لناصر الدولة ولقبه أمير الأمراء وضُربت السكة باسمه، فقلد يأنس المؤنسي الجزيرة وقنسرين فلما صار إلى قنسرين انحاز إلى الإخشيد. وبقيت الجزيرة في " يد " ناصر الدولة إلى أن قصد معز الدولة بن بويه الموصل فملكها في رمضان سنة سبع وثلاثين. وأراد أن يملك بقية البلاد، فورد عليه الخبر من أخيه ركن الدولة أن عساكر خراسان قد قصدت جُرجان والرَّيَّ، فاضطر إلى مصالحة ناصر الدولة وترددت الرسل بينهما إلى أن استقرت القاعدة على أن يؤدي ناصر الدولة عن الموصل والجزيرة مائتي ألف ألف درهم في كل سنة، ويخطب في بلاده لمعز الدولة وعماد الدولة ثم رحل إلى بغداد.

ثم لوى ناصر الدولة بما ضمن لمعز الدولة فقصده في سنة سبع وأربعين، واستولى على الموصل، فهرب ناصرُ الدولة بين يديه إلى نصيبين، فتبعه إليها، فخرج منها إلى ميافارقين.

ثم قصد حلب إلى أخيه سيف الدولة، فكتب سيف الدولة إلى معز الدولة يسأله القيام على الصلح، ويضمن له الوفاء بالمال، وحمل له مالا، وذلك في المحرم سنة ثمان وأربعين فنزل ناصر الدولة لأخيه سيف الدولة عن ديار مضر.

ولم تزل ديار ربيعة في يد ناصر الدولة إلى أن قبض عليه ولده أبو تغلب وحبسه في قلعة كواشى من أعمال الموصل فمات فيها بعد شهر، وذلك في سنة ستٍ وخمسين وثلاثمائة. وكان قد ساءت أخلاقه، وضيق على أولاده، وأصحابه، وخالفهم في أغراضهم.

وقام أبو تغلب لمعز الدولة بما كان على أبيه من الضمان.

ولم تزل ديار مضر في يد سيف الدولة إلى أن وثب أهل حرَان فيها، وكان نائب سيف الدولة عليها هبة الله ابن أخيه ناصر الدولة عنده بحلب فسار إليهم هبة الله، فأغلقوا دونه أوابها، فحاصرهم شهرين، فلما عجز كتب إلى سيف الدولة، فسار إليه، وراسلهم، وضمن لهم ما اقترحوه، فسلموا له البلد، فولى فيها من قِبله، وعاد عنها إلى حلب، فلحقه في الطريق عشية أرجف الناسُ بموته، فسار هبة الله بن ناصر الدولة إلى حرَّان ووثب فيها، وحلّف أهلها فيها. فلما علِم سيف الدولة سيّر غلامه نجا فأغلق هبة الله وأهل حران أبوابها دونه، فضايقها نجا حتى سُلِّمت إليه. وخرج منها هبة الله إلى أرزن، فدخلها، وصادر أهلها بألف ألف درهم أدوها في خمسة أيام، فأفقرهم، ثم خرج عنها، وتركها شاغرة بغير والٍ، فتسلط العياّرون عليها وذلك في سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة.

ثم ولى فيها سيف الدولة، واستمرت في أيدي نوابه إلى أن توفي سنة ست وخمسين وثلاثمائة.

وتولى ولده سعد الدولة أبو المعالي شريف. ودامت في أيدي نوابه إلى أن قصدها أبو تغلب فضل الله بن ناصر الدولة في سنة تسع وخمسين فأغلق أهلها أبوابها، فحاصرها، وضايقها حتى أخذها واستعمل عليها سلامة البرقعيدي، فإن أهلها طلبوه منه، وكان إليه عمل الرقة.

واجتمع لأبي تغلب ديار مضر وديار ربيعة.

فلما كانت سنة ثمان وستين وثلاثمائة، بعث سعد الدولة جيشا إلى حران فوقعت بينه وبين سلامة البرقعيدي حروب كثيرة. وكان سعد الدولة كتب إلى عضد الدولة وعرض نفسه على خدمته، فأنفذ عضد الدولة جيشا صُحبة [النقيب] الطاهر أبي أحمد - والد الشريف ارضي -، إلى البلاد، فتسلمها بعد حروب كثيرة جرت بينهما، وأخذ النقيب الرقة لعضد الدولة، وأطلق ما فيها لسعد الدولة.

وفي هذه السنة انقرضت دولة بني حمدان، واستولى عضد الدولة على ملكهم، وخرج أبو تغلب من بلاد الجزيرة إلى الشام فقُتل لعى الرملة بفلسطين في حرب كانت بينه وبين دغفل بن المفرج بن الجراح.

ثم لم تزل بلاد الجزيرة في يد سعد الدولة بن سيف الدولة إلى أن توفي في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة.

وولي بعده أبو الفضائل سعيد الدولة واستولى على ما كان بيد أبيه من البلاد. وبموته انقرضت دولة بني حمدان وتفرقت بلاد الجزيرة، وصار كل بلد في يد ملك مستبد به. نحن نأتي على ذكرها بلدا بلدا، ونعيد الجملة إلى التفصيل، ونأتي بالتفريع تبييناً لما مضى من التفاصيل، ونقرها على ما رسمت أوضاعها، ورتبت أصقاعها.

ذكر ديار مضر

وقصبتها حرّان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015