وكان إسحاق يقول: في عُنقي بيعةٌ، وأنا لاأدعها حتى أعلم أقُتِلَ صاحبها أم مات؟! فأرسل إليه أبو جعفر، وأخبره أن مروان قد قُتل. فسأله أن ياربص به حتى يتيقن؛ فأجابه. فلما تيقن طلب الأمان. فكتبوا إلى السفاح، فجاءهم الجواب بأمانه. وخرج إسحاق إلى أبي جعفر فأكرمه.
وولى السفاح أخاه أبا جعفر الجزيرة وأذربيجان وأرمينية. وقيل: إن عبد الله بن علي هو الذي أمّن إسحاق وولى أبو جعفر من قِبَله الجزيرة مُقاتِلَ بن حكيم العكي من أهل مروٍ ثم توفي السفاح في سنة ستٍ وثلاثين ومائة.
ووليَ أبو جعفر المنصور الخلافة، وكان بالحجاز. فلما رجع بلغه خروج عبد الله بن علي وقصدهُ الجزيرة ودعواه " أن " السفاح كان ولاه العهد، وأنه نزل على حرَّان وبها مقاتل العكي فتحصن منه فحصره أربعين يوما حتى نزل عنها بالأمان. وأقام معه أياما، ثم وجه به إلى عثمان ابن عبد الأغلى بن سُراقة الأزدي، وعلى يده كتابٌ، فلما وصله قتلهُ، فسيّر أبو جعفر أبا مسلم إلى الجزيرة بعسكر فالتقى بعبد الله ودامت الحروب بينهم خمسة أشهر، حتى خرج عبد الله عنها منهزما إلى البصرة.
فولى المنصور الجزيرة حُميد بن قحطبة ثم عزله.
وولى أخاه العباس على الجزيرة، والثغور والعواصم وذلك في سنة اثنتين وأربعين ومائة. وأقام متوليا عليها إلى أن عزله في سنة خمسٍ وخمسين.
وولى موسى بن كعب ثم عزله سنة ثمان وخمسين.
وولى مكانه الهيثم بن سعيد، ولم يزل عليها إلى أن مات المنصور في بقية السنة.
وتولى المهدي فأقره عليها إلى أن عزله سنة تسع وخمسين وولاها الفضل بن صالح ثم عزله.
وولى عبد الصمد بن علي ثم عزله.
وولى زُفر بن عاصم ثم عزله.
وولى عبد الصمد بن علي ثم عزله.
وولى علي بن سليمان ودامت ولايته إلى أن مات المهدي في سنة تسع وستين.
وولي موسى الهادي فعزل علي بن سليمان عن الجزيرة.
وولى منصور بن زياد واستمرت ولايته إلى " أن " مات سنة سبعين.
وولي هارون الرشيد فعزل منصورا.
وولى أبا هريرة محمد بن فروخ ثم عزله سنة سبع وسبعين.
وولى حرب بن قيس.
ثم خرج الوليد بن طريف التغلبي بالجزيرة في سنة ثمان وسبعين وقتل " إبراهيم بن " خازم بن خزيمة بن طيبين وقويت شوكته. وعاث في أرض الجزيرة وأرض الموصل إلى أرمينية وأذربيجان فسيّر إليه الرشيد يزيد بن مزيد بن زائدة. فوقعت بينهما حرب قُتل فيها الوليد بن طريف.
وقالت أخته ليلى ترثيه أبياتا وقع إليَّ منها:
بِتلِّ نبايا رسمُ قبرٍ كأنه ... على علم فوق الجبال منيف
تضمن جودا حاتميا ونائلا ... وسورة مقدام وقلب حصيف
ألا قاتل الله الحثا كيف أضمرت ... فتىً كان بالمعروف غير عفيف
فإن يكُ أرداه يزيد بن مزيد ... فيا ربَّ فضها وصفوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى ... ودهر مُلحٍ بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب قد هوى ... وللشمس همت بعده بكسوف
فيا شجر الخابور مالك مورقا؟! ... كأنك لم تحزن على ابن طريف!
ولا الحيل إلا كُلَّ جرداء شطبة ... وكل حَصان باليدين عروف
فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني ... أرى الموت بكل شريف
فقدناك فقدان الربيع وليتنا ... فديناك من دهمائنا بألوف
وقال مسلم بن الوليد من قصيدة:
يفترُّ عند افترار الحرب مبتسما ... إذا تغير وجه الفارس البطل
موفٍ على مهجٍ، في يوم ذي رهج ... كأنه أجلٌ يسعى إلى أمل
ينال بالرفق ما يعيا الرجال به ... كالموت مستعجلا يأتي على مهل
واستعمل الرشيد على الجزيرة خزيمة بن خازم بن خزيمة واستمر بها إلى أن عقد الرشيد لولده القاسم على الجزيرة والشام سنة ستٍ وثمانين، وكان في حِجرِ عبد الملك بن صالح فأقره عليها.
ولم يزل القاسم على الجزيرة إلى أن مات الرشيد في جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة.
وولي ولده محمد الأمين فأقر أخاه القاسم على الشام.
وولى خزيمة على الجزيرة، ثم عزل أخاه عن قنسرين وأضافها إلى خزيمة بن خازم ثم عزله عنها في سنة ستٍ وتسعين.
وولى عبد الملك بن صالح الجزيرة والشام فمات في بقية السنة. ثم وليها خزيمة، واستمر بها إلى قَتلِ الأمين في سنة ثمان وتسعين.
وولي المأمون فعزله عنها.