الباقي فينفقه في سبيل الله وعلى ذوي الحاجة وما عرض له محتاج إلا آثره على نفسه، تارة بطعامه وتارة بلباسه، بل كان ينفق ما في يده وهو وأهله في حاجة إليه.
ولما ولي أبو بكر مكث ستة أشهر يدير شؤون الدولة ويقوم بعمله الخاص وهو التجارة التي كان يزاولها قبل أن يكون خليفة، ثم رأى أن أمور الناس لا تصلح مع التجارة، وأنه ما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم، فَحَدَّثَ المُسْلِمِينَ وَحَدَّثُوهُ في ذلك، ورأوا أن يتفرغ لشؤون الدولة، فقال لهم لا بد لعيالي مِمَّا يصلحهم، ففرضوا في كل سنة ستة آلاف درهم وهو ما يقوم بحاجته وحاجة عياله مقابل تفرغه لشؤون الدولة، ولكن لما حضرته الوفاة، قال لأهله: انظروا كم أنفقت منذ وليت من بيت المال فاقضوه عني، فوجدوه ثمانية آلاف درهم، فأمر بأن يعطي بيت المال أرضًا يملكها مقابل ما أخذ من المال.
وقال لابنته عائشة عند موته: «إنَّا مُنْذُ وُلِيِّنَا أَمْرَ المُسْلِمِينَ لَمْ نَأْكُلْ لَهُمْ دِينارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَلَكِنَّنَا قَدْ أَكَلْنَا جَرِيشَ طَعَامِهِمْ وَلَبِسْنَا خَشِنَ ثِيَابِهِمْ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَيْءِ المُسْلِمِينَ إلاَّ هَذَا العَبْدُ وَهَذَا البَعيرُ وَهَذِهِ القَطِيفَةَ، فَإِذَا مِتُّ فَاِبْعَثِي بِالجَمِيعِ إِلَى عُمَرَ». فلما مات بعثته إلى عمر، فجعل يبكي ويقول: «رَحِمَ اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ، لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ»، وعرض عبد الرحمن بن عوف على عمر أن يرد هذه الأشياء على عيال أبي