هل أخذ المؤلف معلوماته مباشرة عن المصادر التى يذكرها؟ هنا نلاحظ أن القطع الباقية من كتاب البكرى والخاصة بمصر (مخطوط المكتبة الوطنية بباريز، القسم العربى، رقم 2218) تشبه بشكل واضح، من حيث الخطة ومن حيث التفصيلات، الفصول المماثلة من الاستبصار. وهذا يجعلنا نعتقد أن صاحب الاستبصار نقل عن كتاب البكرى معلوماته التى أخذها عن المسعودى وابن وصيف- شاه وابن عبد الحكم. وهذه الملاحظة لا تمنع من أن يكون المؤلف قد قرأ هذه الكتب التى كانت شائعة فى عصره، وأن يكون قد أخذ منها معلومات أضافها إلى ما كتبه البكرى. ورغم أنه لا يذكر كتاب الإدريسى فالظاهر أنه تأثر به فى أكثر من موضع. والمؤلف عندما يعالج قصة الفتح العربى لمصر ينقل عن ابن عبد الحكم كما سبق أن نقل البكرى؛ وفيما يختص بمصر القديمة يذكر ابن وصيف- شاه وينقل عنه. وفى مجال التاريخ القديم هذا لا ننتظر من المؤلف شيئا جديدا، وذلك على عكس ما كنا ننتظره منه من المعلومات الجديدة عندما يعالج موضوع المدن المصرية، كما فعل بالنسبة لمدن المغرب، وهذا ما لم يفعله. فالصليبية فى الشام كانت على أشدها والمدن المصرية كانت مسرحا لعدد من المآسى التى كان لها صداها فى المغرب.
ولكن المؤلف الذي خصص صفحات- فى آخر هذه الفصول- للصليبية وانتصار صلاح الدين اكتفى بنقل الوصف التقليدى للمدن المصرية كما فعل المسعودى وابن عبد الحكم والبكرى. وأكثر من هذا فإنه يؤخذ عليه أنه كاد يوقع القارئ فى الخطأ عندما أهمل ذكر المصدر الذي نقل عنه، وغيّر شكله إلى حد ما ذاكرا تاريخ الوقت الذي كان يكتب فيه هو نفسه. والمثال لذلك هو معلومات المسعودى عن مدينتى تنّيس ودمياط التى يذكرها صاحب الاستبصار ويختمها بالشكل التالى:
«ويسكن بجزيرة تنيس ودمياط نصارى هم الآن تحت الذمة بحمد الله، ونحن فى سنة 86 [5] [1190] » (ص 88) ؛ كما لو أن هذه الحقيقة كانت واقعة على أيامه أو كما لو أنه حققها بنفسه. وهو فى الحقيقة لم يعرف
€