بالنسبة للجزء الخاص بمصر والمغرب، ولكن ضاعت من كتاب البكرى الفصول الخاصة بالأماكن المقدسة؛ وهكذا فلا سبيل إلى القول بأن صاحب الاستبصار نقل هذا الجزء أو شيئا منه عن البكرى أو لم يفعل. وفيما يتعلق بوصف المدينة ومسجد النبي لا نعرف أيضا المصدر الذي أخذ عنه الاستبصار، ومعلوماته تختلف عما كتبه ابن رسته وابن جبير. وهنا نجد أن المؤلف يقول إنه فى سنة 528/1133- 1134 كان يوجد فى رواق المسجد وطاء طبرى (ص 41) . وهذا يحملنا على الظن أن الجزء الأول من الاستبصار نقله مؤلفه سنة 587/1191 عن مصدر لم يصل إلينا كتب سنة 528 أو بعد ذلك.
أما الجزء الثانى من كتاب الاستبصار فيوضع بصفة عامة ضمن ما كتب عن عجائب العالم: فكل ما يحويه عبارة عن غرائب وأشياء مدهشه فريدة فى نوعها. وزيادة على ذلك نلاحظ أن خطة الفصول الخاصة بمصر تنقسم على فترتين: فترة مصر القديمة، التى تنقسم بدورها على فترتين يفصل بينهما الطوفان؛ ثم فترة مصر الحديثة أى العربية. وتبدأ الفترة الأولى بوصف عام للبلاد، وتنتهى بظهور الإسلام وفتح مصر على أيدى العرب. والفترة الثانية خاصة بوصف المدن المصرية، وتبدأ بقصة الفتح منقولة عن ابن عبد الحكم.
والحقيقة أن هذه التقسيمات ليست مقبولة إلا بصفة عامة، وذلك أن المعلومات الجغرافية والتاريخية، القديمة منها والحديثة، تختلط وتتداخل خلال التقسيمات الصغيرة بعد ذلك بشكل لا يدع مجالا للتفرقة بينها.
والمؤلف يستخدم فى تصنيفه لهذه الفصول خمسة مصادر مختلفة يذكرها فى بعض الأحيان، وهى: المسعودى (توفى 345/956) ؛ وابن وصيف- شاه الذي يظن أنه فارسى الأصل وأنه كان يسكن بلدة اخميم، الذي يكتب حوالى سنة 1000 للميلاد (أواخر القرن الرابع الهجرى) (ص 60 هامش 2) ، وكان عالما بتاريخ مصر القديمة- حسب مفهوم ذلك التاريخ فى العصور الوسطى بطبيعة الحال؛ وابن عبد الحكم؛ ثم البكرى. وأخيرا هناك معلومات الناظر الشخصية وهى تتعلق فى معظم الأحيان بالأحداث التى عاصرها، وهو فى كل مرّة يسبقها بكلمتى: «قال الناظر» . والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو:
€