مما يدعو إلى الأسف أننا نجهل مؤلف كتاب الاستبصار.
فباستثناء ابن أبي زرع، صاحب كتاب روض القرطاس، الذي يذكر عنوان الكتاب لم يشر أي كاتب آخر إلى الكتاب أو إلى مؤلفه.
هذا كما أن المؤلف لا يمدّنا خلال كتابته بأية معلومات تكشف لنا عن شخصيته. وهنا نجد ثلاث كلمات تعبر عنه وهي: «المؤلف» أي صاحب الكتاب، «والناظر» ثم «الواضع» ولها معنى كلمة المؤلف. وعلى ذلك فسنكتفي بالعناية بكلمتي «المؤلف» و «الناظر» . هل تعني الكلمتان شخصية واحدة أو شخصيتين مختلفتين؟ يمكن أن تكون كلمة الناظر لقباً كان يحمله المؤلف وبهذا تدل «المؤلف» و «الناظر» على شخص واحد. ولكن هذا الافتراض غير محتمل إذ لا نعرف «الناظر» لقباً في تلك الفترة.
وقد يكون معنى كلمة «الناظر» قريباً من معنى كلمة «المراجع» أي الذي أعاد النظر في الكتاب ونظّمه وأعطاه شكله الأخير. وهنا تعني كلمة الناظر شخصاً آخر غير المؤلف.
وأياً ما كان فإنا نعتبر «الناظر» هو المؤلف الحقيقي للكتاب بصورته التي وصلتنا, فهو قد لجأ إلى كتاب قديم نجهل صاحبه، فوضع له المقدمة، ورتّب فيها منهجه، وهو قد نقّح الأصل وحقّقه وأضاف إليه، ثم ختمه.
وفي الكتاب فقرات تبيّن أن الناظر عاش على عهد يعقوب المنصور الموحدي، وأنه كان ينظر بعين الولاء لأحد كبار رجال الدولة حينئذ وهو الشيخ أبو عمران بن أبى يحيى بن وقتين الذي يهدي إليه الكتاب ويطلب منه حسن الرعاية (ص 1، 2) . ويظهر أنه كان يصنف الكتاب في سنة 587 هـ / 1191 م.
هذا وتدل التفصيلات التي يمدّنا بها عن مكناسة وفاس ومراكش على معلوماته الغزيرة عن هذه المدن. فلا شك أنه عاش فيها إن لم يكن أصله منها.
ومع ملاحظة محتوى الكتاب يمكننا أن نفترض أن المؤلف «الناظر» كان يشغل وظيفة لدى يعقوب المنصور كانت تمكّنه من الاطلاع على مجرى الأمور في ديوان الخليفة أو في بلاطه.