ركب هذه الصحراء طول إقامة الخليفة ببلاد إفريقية، فلما أقبل عنها، رجع إلى أقرب البلاد لها وهى توزر فقضى نحبه عليها، وإنها من براهين هذا الأمر العلى، وأخذه الله تعالى بذنوبه المتقدمة من سفك الدماء وإباحة الأموال والحريم فى بلاد إفريقية. قال المؤلف: وأهل الجريد يأكلون الكلاب ويستطيبونها، وهم يسمنونها، ويعلفونها بالتمر، فيزعمون أن لحمها يأتى ألذ اللحوم «1» . ولا يجذم أحد ببلاد الجريد، وإن دخلها مجذوم توقفت عنه علته. ويقول أهل بلاد الجريد إن التمر إذا أكل أخضرا، وهو الذي يسمى البهر يفعل ذلك، وإنه من بدت به علة الجذام، فأكثر من أكل البهر وطبخه وشرب مائه برأ باذن الله.
ومن مدن إفريقية المشهورة مدينة باجة «2» : وهى مدينة كبيرة أزلية قديمة فيها آثار للأول. ولها حصن حصين أزلى مبنى بالصخر الجليل، أتقن البناء، يقال إنه من عهد عيسى عم. ومدينة باجة على جبل شديد البياض، يسمى الشمس لبياضه، وهى كثيرة الأنهار والعيون؛ ومن تلك العيون عين كبيرة تسمى عين الشمس، وهى تحت سور المدينة؛ وباب المدينة بإزاء العين ويسمى الباب باب عين الشمس. ومدينة باجة رخيصة الأسعار جدا، فإذا أخصبت البلاد لم تكن للحنطة بها قيمة. وتسمى باجة هرى إفريقية، فإن بها تمتاز «ا» جميع البلاد، عربها، وبربرها، لكثرة طعامها ورخصه. وباسمها سميت باجة الغرب بجزيرة الأندلس. وباجة إفريقية على مقربة من فحص قلّ «3» المشهور بكثرة الزرع، وأرض هذا الفحص أرض مشققة سوداء، يجود فيها جميع البذر، ويكون فيه حمص وفول قل ما يوجد مثله فى موضع.
ومدينة باجة نظر كبير، ولها قرى كبيرة عامرة ومن بعض قرى باجة، قرية تعرف بالمغيرية «ب» وهى كبيرة وبها آثار كثيرة للأول، من كنائس قائمة