شوكة من صاحب القيروان وأكثر جيشا، فخرج لنصرة ابن عمه وجيش جيشا كبيرا. فلقيته العرب بجملتها بفحص «ا» سبيبة، على مقربة من القيروان، فكان بينهم يوم عظيم حتى هزم المنصور وقتل أخوه وأكثر صنهاجة. وذلك أن أخاه كان أسن منه فنهاه عن مقابلة العرب، وقال له: «أقم أنت ببلادك وابعث إليهم وصانعهم يأتوك خاضعين وفى جبائك طامعين، فهذا من خلق العرب قديما فلا تلقاهم» «ب» . فلما كان ذلك اليوم، وهزم، قال له أخوه. «ألم أنهك أن تلقاهم بنفسك، ولكن اعطنى تاجك والراية أقم على الجيش، وانج بنفسك، فإن كانت السلامة فمن الله، وإلا بقيت أنت للناس، فليس منك الخلف» .
وهذا من أغرب ما يصنع الأخ مع أخيه والولى مع وليه. فأعطاه عمامته ورايته وكانت مشهورة، فسار بالجيش حتى لحق وقتل. وكانت لملوك صنهاجة عمائم شرب «ج» مذهبة يغلون فى أثمانها، تساوى العمامة ال 500 دينار وال 600 دينار وأزيد. وكانوا يعممونها بأتقن صنعة فتأتى تيجانا «د» وكان «ر» ببلادهم صناع لذلك، يأخذ «س» الصانع على تعميم عمامة منها دينارين وأزيد. وكانت لهم قوالب من عود فى حوانيتهم، يسمونها الرءوس، يعممون عليها تلك العمائم.
فلما نجا المنصور إلى القلعة، نزلت عليه جيوش العرب وضيقوا [عليه] ببلاده، فكان يصانعهم حتى ضاق ذرعا بهم، وكان لا يقدر على التصرف فى بلاده؛ فطلب موضعا يبنى فيه مدينة ولا يلحقه فيها العرب «ص» فدل على موضع بجاية وكان مرسى. ويقال إنه كانت فيه آثار قديمة وإنها كانت مدينة فيما سلف، فبناها المنصور، وسماها المنصورية، وانتقل ملكهم من القلعة إلى بجاية، واتخذها دار مملكتهم؛ وبينها وبين قلعة حماد مسيرة أربعة أيام.
وهى مدينة عظيمة، ما بين جبال شامخة قد أحاطت بها، والبحر منها فى 3 جهات: فى الشرق والغرب والجنوب. ولها طريق إلى جهة المغرب يسمى بالمضيق على ضفة النهر المسمى بالوادى الكبير، وطريق القبلة إلى قلعة حماد على عقاب وأوعار، وكذلك طريقها إلى الشرق. وليس لها طريق