وههنا تكون موازنات تحتاج إلى فتوى بصيرة من أهلها، كأن يكون للإمام اجتهاد يعذر به، أو يكون البغاة يرفعون كلمة حق يراد بها باطل، أو كان الخارجون لو نجحوا تردَّت إلى ما هو أسوأ إلى غير ذلك من احتمالات تحتاج إلى ترجيح في الموقف من خلال فتوى صحيحة من أهلها.

وهناك الفتنة التي يتعرض لها المسلم من إمام مسلم ظالم أو من سلطان مسلم ظالم، فهذه يجوز للمسلم فيها أن يصبر ويجوز أن ينصح، وفي حالة ظلم الحاكمين وفسوقهم، فإن كان بالإمكان عزلهم دون أن يترتب على ذلك شر أكبر من وجودهم فللمسلمين عزلهم، وغلا جاز لهم الصبر وندبوا إلى الأمر بالمعروف والنصيحة. وهناك الفتنة التي يسيطر فيها أهل الكفر على المسلمين، فهذه يفترض فرضاً عينياً على المسلمين أن يواجهوها إذا توافرت شروط ذلك فإن لم تتوافر الشروط لا يأثم من لم يباشر القتال، وعلى المسلمين أن يعملوا بالوسائل الصحيحة للخلاص من الكفر، فإذا لم يجد المسلم إمكانية ولم يجد وسائل صحيحة توصل إلى المطلوب ولم يكن بإمكانه أن يفعل شيئاً، صح له أن يعتزل، أما إذا وجد المسلم من يتعاون معه على خير دون أن يترتب وقوع في إثم بسبب آخر غير التعاون على الخير، فإن المطلوب منه أن يضع يده بيد المسلمين الذين يساعدون على إقامة الخير، ويفهم بعضهم من الأمر الوارد في حديث حذيفة "فاعتزل تلك الفرق كلها" على أن المراد به أن يعتزل العاملين بالحق ممن تنطبق عليهم أوصاف الطائفة المذكورة بالنصوص، وهذا خطأ كبير، فالمراد اعتزال فرق الضلالة لا اعتزال أهل الحق فيد الله مع الجماعة.

وهناك الفتن التي هي أثر عن صراع بين مسلمين على حكم، فهذه يتجنب المسلم خوضها إلا إذا أكره، فنيته تشفع له عند الله.

وههنا قد توجد موازنات فقهية من أهلها ترجح شيئاً، وعندئذٍ يسع المسلم أن تكون له مشاركة أو لا.

وهناك فتنة العصبيات التي لا يتبين فيها وجه الحق فهذه يعتزلها المسلم.

وهناك الفتنة التي هي أثر عن فوضى شاملة، فهذه يفر منها المسلم إذا استطاع، ويعتزلها ما أمكن، ويهاجر إن تيسر له.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015