وهناك الابتلاءات التي يبتلي الله عز وجل بها عبده في الموقع الذي هو فيه، من تعامل مع جار أو زوجة أو ولد أو زميل مهنة، فهذه أدبه فيها إقامة حكم الله.
وهناك الفتنة التي هي أثر عن أمراض نفسية يكثر فيها القيل والقال، وقد يصل فيها الأمر إلى قتال، فهذه يعتزلها المسلم ويقبل على إخوانه الذين تجمعهم وإياه أخوة خالصة في الله، وإن كان عالماً أقبل على العلم والتعليم وتلقين الحكمة وتزكية الأنفس.
وهناك فتنة الدنيا التي تصرف المسلم عن الآخرة وأعمالها، فواجب المسلم في هذا الشأن أن لا تصرفه الدنيا عن إقامة واجب، وعليه أن يحدد عين بصيرته نحو الآخرة.
وعلى المسلم أن يلاحظ أن الفتن والموقف منها لا يصح أن يعطل به كتاب الله، بل كتاب الله يحكم في الفتن وغيرها، لذلك فقد مرت معنا رواية حذيفة عند أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كرر عليه ثلاثاً قوله "تعلم كتاب الله، واتبع ما فيه" فكتاب الله لم يترك قضية أصلية أو استثنائية إلا عرف المسلم على الحكم فيها، قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (?) فالعمل بالكتاب لا يعطل في أي حال من الأحوال، وإنما يكلف المسلم بالعمل قدر الاستطاعة: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (?) فلا يصح بحجة الفتنة أو العزلة مثلاً أن يعطل الإنسان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك، ولا يصح بحجة الفتن أن يهمل المسلم تربية نفسه وتربية أهله وعياله، ولا يصح بحجة الفتن أن يترك المسلم المطلوبات العينية منه، ومن ذلك فروض العصر وفروض الوقت ما دام يستطيعُ شيئاً من ذلك.
والأمر منوط بالاستطاعة، والاستطاعة تحددها الفتوى المبصرة من أهلها، فما من حالة للإنسان إلا ولله فيها حكم يعرفه الراسخون في العلم.
وبهذا ننهي الباب الأول من هذا القسم، قسم العقائد الإسلامية.
فإلى الباب الثاني وهو في الإيمان بالغيب.
* * *